الثورة – خاص:
أكد الكاتب العربي المغربي الدكتور عبد الإله بلقزيز أن سورية تتـلقى العقاب الأمريكي- الغربي منذ عقدين، وخاصة منذ هبّت عاصفة ما سمي بـ “الرّبيع” الأمريكي- الإرهابي على الوطن العربي قبل اثني عشر عاماً، بسبب مواقفها المبدئيّة.
وبمناسبة الإعداد لحملة التضامن الشعبية العربية الدولية لرفع الحصار عن سورية قال الدكتور بلقزيز في تصريح خاص لصحيفة “الثورة”: لو لم يكن لسورية هذا الموقف الوطنيّ والقوميّ الاعتراضيّ المشـرِّف، وتصرّفت مع السّياسات الأمريكيّة والغطرسة الصّهيونيّة بلا مبالاة – شأن غيرها – لَـمَا لَحِـقَها ما لَحِقَها من عظيم الأذى، بل لكانت في بحبوحةٍ من أمرها اقتصاديّـاً وغِـذائيّـاً، ولكنّ سورية الحُـرّة تَجُوع ولا تأكُـل بثدييْها، قَـدَرُها أن تكون في قلب معركة الأمّـة، بل في الموقع الأماميّ من خطوط تلك المعركة.
وأضاف الكاتب العربي منذ اثنيْ عشر عاماً وسورية تنزف، بعد إذْ حوصِرتْ – عملـيّاً- قبل ذلك منذ صدور «قانون محاسبة سورية» في نيسان 2003، وجُرِّبتْ ضدّها وسائلُ التّخريب والتّدمير والقتل – السّريع والبطيء – جميعُها في هذه العشرين عاماً الفاصلة بين القانون سيّئ الذِّكـر واللّحظة الجارية، لكن شيئاً من ذلك العقاب المُبـرِّح لم يَفُـتَّ من عزمها، ولا أَوْهَـنَ همّتها، ولا خَـرَم إرادتها، ولا حَمَلَها على الامتثال لإرادة الأعداء والدّخول إلى بيت الطّاعة، وظلّت عصيّةً على التّرويض والابتزاز، متمسّكةً بما ظـلَّ أعداؤُها يعاقبونها عليه بقـدْرٍ من الوحشيّة مَهُـول، وفي كلّ هذه الجرائم التي اقْـتُـرِفت ضدّها، شعباً ودولةً ووطناً، كان الفاعل واحداً (الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة)، وبمعيّة أدواته ومخالبه: الكيان الصّهيونيّ والجماعات الإرهابية المسلّحة المستوردة من أصقاع الأرض جميعاً.
وبين الدكتور بلقزيز أنه ما من أحدٌ دَفَـع الثّمـنَ الباهظ الذي دفعتْه سورية وتدفعه في هذه العشرين عاماً ما خَـلاَ العراق المحاصَـر (1991- 2003) والمحْتَـلّ، دفعتْـه من دماء شعبها وجيشها التي نزفت طوال اثني عشر عاماً من الرّبيع الأمريكيّ- الإرهابيّ في الوطن العربيّ، وحيث قضى الآلافُ من الجنود ومئات الآلاف من المدنيّين، وهَـجَّـرَ الإرهابُ ملايين المواطنين من مدنهم وقراهم ليتحوّلوا إلى نازحين في وطنهم ولاجئين في الجوار وفي العالم؛ ودفعته من سيادتها التي استباحتْها القـوّاتُ الأمريكيّة الغازية شمالَ البلاد، واستباحَتْها الجماعاتُ الإرهابيّة المتدفّـقةُ عبر الحدود، المسيطرةُ على قسمٍ من التّراب الوطنيّ قبل دَحْـر وجودها المسلّح، وإجبارها على الانكفاء إلى “غيتو” صغيرٍ في الشّمال (إدْلب) محمـيٍّ بالحِراب التّركيّة..؛ السّيادة التي لم تَسْتَعِـدْها سورية المجتمع والدّولة كاملةً حتّى الآن بسبب استمرارِ وجودِ محتلٍّ صهيونيّ لهضبة الجولان وأمريكيّ- تركيّ- إرهابيّ لمناطقَ عدّة في الشّمال..؛
وتابع قائلاً: دفَعَـتْهُ اكتواءً يوميّاً بنار سياسات الحصار الاقتصاديّ والغِذائيّ الخانق الذي أرادت منه الولاياتُ المتّحدة تجويعَ الشّعب السّـوريّ، ومعاقبتَـه في قُـوتِه ولقمة عيشه عقاباً له على عدم التّجاوب مع المؤامرات التي حيكـت ضدّ الوطـن والدّولة ووحدتهما.
ودفعـتْه من دورِها السّياسيّ الرّياديّ في محيطها العربيّ والمحيط الإقليميّ؛ الدّور الذي أريدَ له أن يَكُـفَّ عن الفعل الرّياديّ والقياديّ لصالح مراكـزَ أخرى سهلةَ الانقياد للإملاءات الأمريكيّة، وجاهزةً لأن تُـدْخِـلَ في حسبانها أمـنَ الكيان الصّهيونـيّ، بل لقد وصل الأمر بهذه الحرب القذرة على موقعِ سوريـةَ السّياسيِّ وأدوارِها حـدّ الإيعاز- لِمَـنْ لهم مصلحةٌ في ذلك مع الأمريكيّين- بتعليق عضويّـة سورية في «جامعة الدّول العربيّة»!.. وهو ما فَعَـله حلفاءُ واشنطن العرب مِـن وَجَـلٍ وفَـرَق..!
وأضاف الدكتور بلقزيز: كان على سورية أن تدفع هذه الأكـلافَ الباهظةَ من دماء أبنائها، ولقمةِ عيشهم، وأمنِهم، واستقرارِهم، ومن سيادتِـها ودورِها في الوطن العربيّ والإقليم لأنّها حملت لاءاتها الوطنيّـة والقوميّة في وجْـه مخطّطات الأعداء، وتمسّكت بحقوقها في أرضها وحقوق الأمّة في فلسطين، ذلك وغيرُهُ ما لم يَـنْسَهُ لها الأمريكيّـون والصّهاينة، وأنّى لهم أن ينسوا سياساتٍ ومواقـفَ لسوريّة نَـسَفَتْ ما هُـمْ قد اعتزموه أو وطَّنوا النّفس على نجاحه.
واختتم الدكتور بلقزيز حديثه قائلاً: يطول بنا الإحصاءُ والعَـدّ إنْ نحن فتحنا ملفّ الحساب بين سورية والحلف المعادي، ولكن ما من بأسٍ في التّنويه بأربَـعٍ من أمّهـاتِ الوقْـفات الوطنيّة والقوميّة السّوريّـة التي كفَّـتْ بها اندفاعات ذلك الحلف وأَلْحَـقَت بها فادِحَ الخُسْـرَان:
أولها وقوفُها السّياسيّ الاعتراضيّ على مشروع «الشّـرق الأوسط الجديد»، بعد مؤتمر مدريد واتّفاقـيْ «أوسلو» و«وادي عربة» برفضها التّسويّـة المجحفة مع الكيان الصّهيـونيّ؛ وعلى مشروع «الشّرق الأوسط الموسَّـع» من طريق دعمها المقاومة الوطنيّة العراقيّة للاحتلال الأمريكيّ، ثـمّ دعمها المقاومة اللّبنانيّة التي أسقطتِ المشروعَ إيّـاه في حرب العام 2006.
وثانيها دعمُها الدّائب والثّابت لنضال الشّعب الفلسطينيّ ومقاومته من أجل انتـزاع حقوقه الوطنيّة، وعدم المساومة عليها تحت أيّ ظـرفٍ من الظّروف وعلى الرّغم من الضّغوط السّياسيّة والأمنيّة والعقوبات والحصار والتّجويع.
وثالثها الإسنادُ الدّائم للمقاومات العربيّة (الفلسطينيّة واللّبنانيّة والعراقيّة بعد الاحتلال)، وتمكينها (أي سورية) خيارَ المقاومة من حاضنةٍ عربيّة؛ خاصّـةً بعد تضييق الخناق على قوى هذا الخيار من طرف الولايات المتّحدة ودول الغرب وعـدّةٍ من العواصم العربيّة.
ورابعها تمسُّكُها الثّابت بحقوقها الوطنيّة في هضبة الجولان، ورفضُها المساومة على شبْـرٍ واحـدٍ من ترابها الوطنيّ حتّى حينما اضْطـرّتْها أوضاعُ ما بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتّحاد السّوڤييتيّ للمشاركة في مفاوضات التّسويـة، التي انطلقت في «مؤتمر مدريد» (1991)، في شروط اختلال التّوازن الدّوليّ.