الثورة – هفاف ميهوب:
من يقرأ ما كتبه الكاتب والفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر” في “دفاتر الحرب الغريبة”.. اليوميات التي دوّنها خلال فترة تجنيده في بداية الحرب العالمية الثانية, يشعر بمقدار “الغثيان” والأسف اللذين شعر بهما، وهو يدوّن ملاحظاته حول هذه الحرب، وليس فقط لكونه جندياً يشارك فيها، بل ولكونه من أكثر المثقفين الفرنسيين رفضاً لها..
شعر بذلك، وبأنه مجرّد جندي لا قيمة أو منفعة يقدّمها، بل وبأنه كسواه من الجنود، يعاني من الضجر والقلق، ويغرق في المأساة، مثلما الحلم بأن تنتهي هذه الحرب، ليعود إلى حياته الأدبية الحرّة والجميلة..
إنها أتعس مراحل حياته، ولأنه أدّى فيها واجبه بسلبيةٍ اعترف بها، وأوصلته إلى ما دلّ عليه بقوله:
“أوصلتني إلى التعامل مع الحرب، من وجهةِ نظرٍ أخلاقية: فضيلة مُزيفة، إذلالٌ حقيقي للإنسان، بل تدمير رهيب..”..
هذا عن “دفاتر الحرب” لدى “سارتر”، أما لدى الكاتب والأديب الروسي “تولستوي” فهي دفاترٌ روائية، غصّت صفحاتها بأحداث “الحرب والسلام”.. الحرب التي شنّها “نابليون” في بداية القرن التاسع عشر، على الأراضي الروسية، والتي وصف “تولستوي” أحداثها، بطريقة تجعل القارئ يتخيّل بأنه يعيشها، ويسمع صهيل خيولها وقرع سيوفها، ويشعر بمقدار الأثر النفسي والاجتماعي الذي تركته على من عاشها، فيواجه من شنّها غاضباً: “الإنسان بطبعه بربريّ دمويّ، ولو أردت تحقيق السلام في الأرض، فعليكَ أن تُغيِّر دماء الناس إلى ماءٍ، وهذا لن يتمّ”..
كثرٌ من كتّاب وأدباء العالم، جعلوا من الحرب أهم موضوعاتهم، ولاسيما الذين عاشوها وعانوا ويلاتها ومآسيها، بل وشارك بعضهم فيها.. شارك وتأثّر كما “سارتر” و”تولستوي” و “شولوخوف”.. الأديب الروسي الذي دفعته الحروب التي شهدها، وشارك كمراسلٍ فيها، لتأليف روايات عديدة تصف عواصفها وآثارها، ومعاناة الشعب من نيرانها وحصارها، لتكون أشهر رواياته عنها، رائعته “الدون الهادئ” الملحمية.. الرواية التي دفعته للقول عن الحرب، حتى وإن تخلّلتها صورٌ بسيطة تتجاوز الألم والمعاناة، لتعيش بعض آمالها الإنسانية:
“لا أحد ينتصرُ في الحرب سوى الحربِ نفسها، فهي التي تنتصرُ على الجميع”..