الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
أعلن كبار الضباط العسكريين في روسيا منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أن الصراع ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل بين روسيا وحلف شمال الأطلسي(الناتو).
وببساطة، فإن أوكرانيا هي بيدق في حرب أمريكية أخرى.
لقد تمت التضحية باقتصاد أوروبا وجيشها على مذبح حرب واشنطن تجاه موسكو، فقد بدأ الشتاء وتلاشت آفاق أوكرانيا للخروج من الصراع بأي شيء يشبه النصر.
وقد أقرَّ بذلك اثنان من أكثر أعضاء مؤسسة السياسة الخارجية إجراماً، كوندوليزا رايس وروبرت غيتس، اللذان يجادلان في مقال بصحيفة “واشنطن بوست”، بأن الوقت ليس في صالح أوكرانيا، ويجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تتصرف بسرعة أو أن تشاهد أوكرانيا وهي تتعرض للهزيمة في نهاية المطاف.
بطبيعة الحال، بالنسبة إلى صقور المحافظين الجدد مثل رايس وغيتس، فإن التسوية التفاوضية ببساطة غير واردة، والخيار الوحيد للمؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية هو تحصين أوكرانيا بأثقل المعدات العسكرية مثل الدبابات المدرعة لضمان النصر في ساحة المعركة.
كما يلاحظ المحلل الجيوسياسي بريان بيرليتيك، فإن هناك مشكلة كبيرة تقف في طريق طلب رايس وغيتس، وقال: إن أسلحة الناتو بدأت تنفد، حيث تنتج الولايات المتحدة حوالي 30 ألف طلقة سنوياً لأنظمة هاوتزر طويلة المدى عيار 155 ملم، وهو رقم تستخدمه أوكرانيا خلال أسبوعين فقط من قتال روسيا على الخطوط الأمامية، لذلك عندما جاء رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي إلى الكونغرس متوسلاً المزيد من الأسلحة، فمن المحتمل أنه أصيب بخيبة أمل في ملاحظة جو بايدن أن الولايات المتحدة لن تقدم وعوداً بتسليح أوكرانيا بأي شيء يمكن أن يؤدي إلى سيناريو حرب عالمية ثالثة بين الناتو وروسيا.
وقد أدى انتصار روسيا الحاسم في سوليدار إلى تكثيف المخاوف بين فصيل رئيس في مؤسسة السياسة الخارجية من أن أوكرانيا تستنفد قدرة الولايات المتحدة على شن حرب في مكان آخر.
وفي هذا الصدد، لا توجد مسألة أخرى تتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة أكثر أهمية من الصين، كما وصف وزير دفاع جو بايدن، لويد أوستن بأن الصين تشكل أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة، كما وصف الناتو الصين بأنها لاعب خبيث في أحدث وثيقة للمفهوم الاستراتيجي للحلف، وتعهد بلعب دور أكبر في كبح ما يسمى بالتهديدات التي يمثلها صعوده.
الجنرال الأمريكي جيمس بيرمان قدم اعترافاً خطيراً في صحيفة فاينانشيال تايمز بأن الولايات المتحدة تعد مسرح الحرب من خلال دفع الصين إلى حرب على غرار حرب أوكرانيا على تايوان، وفي اليوم التالي أصدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) محاكاة حرب بين الولايات المتحدة والصين على تايوان، وكما هو متوقع، خلصت الحكومة الأمريكية إلى أن الجهود الصينية لغزو الجزيرة ستفشل بتكلفة كبيرة لجيوش جميع الأطراف.
من المهم ملاحظة أن الاستعدادات للحرب الأمريكية مع الصين ليس لها علاقة بتايوان على وجه التحديد، بل إنها استجابة للانحدار الإمبريالي وصعود الصين وروسيا، حيث يمثل كلا البلدين تحديات خاصة بهما للهيمنة الأمريكية.
الأسوأ بالنسبة للولايات المتحدة هو أن روسيا والصين تقاربتا من بعضهما البعض، فمن الناحية الاقتصادية، نمت الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا والصين على قدم وساق منذ أن تأسست معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي عام 2001.
ومن المتوقع أن تزداد التجارة الثنائية بنسبة 25 في المائة لتصل إلى حجم إجمالي قدره 200 مليار دولار في 2024، وقد منحت العلاقات الاقتصادية المتزايدة مع الصين مزيداً من الحماية لروسيا من العقوبات الأمريكية – الأوروبية، مع زيادة الصادرات الزراعية والطاقة إلى الصين، كما زادت روسيا والصين من التنسيق في المسائل العسكرية والتطورات السياسية العالمية في مواجهة تهديد مشترك هو الإمبريالية الأمريكية.
لكن ربما يكمن أكبر تهديد للهيمنة الأمريكية في قيادة الصين وروسيا في الحركة العالمية من أجل التكامل وإزالة الدولرة، فالصين وروسيا هما القائدان الرئيسان للمؤسسات متعددة الأطراف مثل مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، إذ تهدف هذه المؤسسات متعددة الأطراف إلى تعزيز الاستثمار في جميع قطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين البلدان المشاركة، لاسيما في مجال التمويل.
كما تتضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI) اتفاقات تعاون رئيسة مع أكثر من 140 دولة، وتتألف مما لا يقل عن 2000 مبادرة تنموية، العديد منها مكتمل أو قيد الإنشاء، وتجري بالفعل محادثات حول إمكانية دمج الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي (EAEU) ومبادرة الحزام والطريق بين البلدين، وقد أعربت القوى نفسها التي تستعد للحرب مع الصين عن قلقها العميق بشأن مستقبل الدولار وسط تكامل أوراسي متزايد.
كما يتم تقديم اهتمام الصين بتداول النفط باليوان الصيني، وسعي روسيا للحصول على عملة احتياطية دولية، وفكرة عملة البريكس باعتبارها تهديدات رئيسة للهيمنة المالية الغربية.
رد الولايات المتحدة على تلاشي الهيمنة الإمبريالية هو الحرب والتي هي سمة متأصلة في النيوليبرالية المفترسة، حيث تسعى الشركات إلى ظروف مواتية لاستغلال ونهب الطبقات والموارد العاملة على كوكب الأرض.
فالحرب هي أيضاً صناعة دائمة ومربحة للغاية يهيمن عليها عدد قليل جداً من المتعاقدين العسكريين.
ليس مفاجأة أن يخطط خبراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة للحرب القادمة، وبالتالي، فإن حرب أوكرانيا بالوكالة هي ساحة اختبار لأجندة الولايات المتحدة الأكبر للتوسع الإمبراطوري، إلا أن الشرط المشترك للسلام والازدهار للبشرية سيعتمد إلى حد كبير على تقويض هذه الأجندة، لاسيما داخل قلعة الإمبريالية: الولايات المتحدة الأميركية.
المصدر: غلوبال ريسيرش