الثورة -رنا بدري سلوم:
كم جميلٌ أن نكون كما وجوهنا الافتراضية، نفكّر بجماليّات الحياة، نحارب الخطأ ولا نرتكبه، نستعين بالله في كل خطوة نمشيها، كم جميل أن نمتلك هذا القناع الاجتماعي، الذي يجمعنا على دين المحبة والتآخي والسلام، فلا ننشر الشائعات ولا نوجه أصابع الاتهام إلى من ارتكب بحقنا جُرماً أخلاقياً يصعب نسيانه، الجمال يكمن في التفاصيل كما القبح تماماً، وجواهر الأمور لا تظهر كما يجب، كالمعادن تظهر حقيقتها في الانصهار، وحدها المواقف الحياتية التي تكشف لنا الأصدقاء لتظهر الوجوه على حقيقتها، لا كما يظهر لنا على مواقع التواصل الاجتماعي.
كم من تساؤلات تراود الذهن، دون إجابة مقنعة، عن سبب كتابة ما نفتقد، تماماً كما نبحث عمّا لا نملكه، فكل مفقود مرغوب، يجذبنا دون مقاومته، يستبيح حياتنا متجاوزاً الخطوط الحمراء، فيدخل الأصدقاء غرف منازلنا، ويتشاركون معنا الخبز والملح، والابتسامة والدمعة، وكأن العالم الأزرق هو عالمنا تماماً بل حلّ محله، في هذا العالم قد يتساوى فيه الظالم والمظلوم، والحاكم والمحكوم، لا إله يحكم هذا العالم إلا عقل من دخل إليه، وحكمة من يشاهده دون أن يلوث تفكيره في جعجعة الأفكار التي تنهال كوابل من الحجارة، من كل حدب وصوب بلا هدف ولا رسالة إنسانية ولا قيمة فكرية حتى.
كم منّا يقطع أوصال أرحامه و يتفنن في إرسال الورود الصباحية في رسائلهم الفيسبوكية لأصدقاء لا يدرك ماهيتهم، وكم منا يهمل الرد لصديق بات يتتبع أخباره كقبّرة الصباح التي تنتظر ضياء النهار، كم منا يقترف الصمت ذنباً ليقرأ صفحات الأصدقاء ويبحث عما يهمه ومن يخدم مصالحه، وكم منا دخل عنوة قانون “اللايك باللايك”، لا كما يجب أن تضعه بصمتنا الخاصة، وكم منا ندم على موافقة طلبات صداقة بعيدة كل البعد عن عالمه الخاص، وكم منا يشعر بالعجز تماماً حين تنهال التعليقات على صورة شخصية فيقف ممتناً لكمية الإعجابات والتعليقات، في وقت لا يعير الأصدقاء أي أهمية أو تفاعل لمنشور فكريّ أو مقال صحفي يثير قضية ويطرح رأي بل يفتح باب التساؤلات والجدل ليغير واقع الحال فيقف الكاتب في خذلان وحيرة وتساؤل : هل أنا مخطئ أم هم مخطئون؟، وكم منا يشعر بالفشل في إدارة صفحته وترتيب أفكاره وإطلاقها للعنان، فلا يطرح رأيه بصدق كي لا يخسر أصدقاء من الرأي الآخر، ولا يفتح باب السِجال في مجموعات انضم لها بعد إقناع صديق هدفه التسويق وحسب، فيُتهم أنه غير متفاعل أو غض الثقافة في العالم الأزرق، وكم منا يشمّع خيطه ويهرب كما يقال حين يسأله الفيسبوك بماذا تفكر؟ وأنت أمام شاشتك صامتٌ متقوقع في عزلة افتراضية يقلقكَ الخروج منها حفاظاً على ماء وجهكَ الافتراضي.
السابق