الثورة – آنا عزيز الخضر:
التوجه إبداعيا لعالم الطفل لها معطياتها وشروطها على المبدع الالتزام بخصوصيتها و إلا فإن الكثير من ملامحها تبدو غائمة وستذهب في أبعادها إلى أهداف أخرى بعيدة عن عالم الطفل ..هذا ماأكده الكاتب محمد حمود والفائز بجوائز عن نصوص لمسرح الطفل وغيرها..
فقال: لا بدّ أن تتوجّه إلى مساحة اللّاشعور، وهذا أهم وأجمل وأخطر ما في الفنّ. من بين أشكال الفنّ الأدبي، آثرت المسرحَ هاجساً، وخصصت مسرح الطّفل كتابة وإخراجا باهتمامي، لإيماني العميق بقيمته وأهميته، تحديدا لجهة الشّحّ الكبير في المكتبة العربيّة لنصوص مسرحيّة تتوجّه إلى الطّفل.
البعد التّربويّ في الكتابة للطّفل هو البعد الأهمّ، بل الوحيد؛ ولا أقصد الجانب الأخلاقي فحسب، إنّما أعني أيضا تربية الذّائقة.
النّصّ المسرحي لا يكتب من أجل القراءة فحسب؛ وإنّما أيضا من أجل أن يتحوّل إلى عرض حيّ، وهذا الجانب يحتّم على الكاتب أن يختار مواضيع تهمّ الطّفل، ويبني فكرته وفق المرحلة العمريّة التي يخاطب، ويختار أسلوبا سهلا بسيطا سلسا، كي ما تتسلّل المحمولات الفكرية والتّربويّة والجماليّة إلى لاوعيه، وتساهم من ثمّ، من هناك، في ابتناء، وتوجيه وعيه وسلوكه.
*ماذا تقول عن مسرحية زهرة المحبة وسماتها ؟
بالنسبة لمسرحية (زهرة المحبّة) فقد كان للأزمة الوطنية، بكلّ تداعياتها وإرهاصاتها المجتمعية والثّقافيّة، وما شكّلته من اعتداء على التّصوّر البريء الحالم للطّفل السّوري تجاه العالم والحياة رمّة؛ كان لهذا الأمر الدّافع في كتابة هذه المسرحيّة؛ فقد رأيت أنّ أطفالنا في حاجةٍ إلى أعمال فنّيّة تجيب عن تساؤلاتهم، وتساعدهم لفهم، وربّما، لتجاوز ما حدث.
اخترت في هذا النّصّ أن أبتعد عن خندقة الأطفال، فالحرب في حدّ ذاتها عدوان على الحياة بكلّ قيمها الإنسانيّة والجماليّة، والانتصار الحقيقي عليها يكون برفضها، وهنا نعود إلى البعد التّربويّ الذي سبق وأشرت إليه؛ بمعنى تربية الطّفل على محبّة الحياة، محبة الخير والجمال، وكره ونبذ العنف.
بإمكاننا ربّما أن نضع النّصّ ضمن ما يعرف ب”مسرح العائلة” وهو فرع من مسرح الطّفل، يتميّز بقدرته على مخاطبته مختلف الشّرائحّ، وهذا تحدّ مركّب، فالجميع يعلم صعوبة الكتابة للطّفل، فما بالك بنصّ يحاول تقديم مستويات قرائية متعدّدة، ترضي ذائقة وعقول الصّغار و الكبار.
*كيف نجعل الفكرة مهمّة للطّفل..!؟
الأمر يتعلّق دائما بقدرتنا على ربطها بعالمه ، فإن كانت أزمة المناخ أمرا لا يعي الطّفل أهمّيته وخطورته، وبالتّالي لا يتفاعل مع ندوة أو محاضرة عن الأمر؛ فإنّ الأمر سيتغيّر عندما نربط أزمة المناخ تلك فنيّا، بجفاف البحيرة، وهجرة العصافير، ويباس الأشجار التي يحب، وهكذا..
كيف تم العمل على الأسلوب واللغة تحديدا كونهما يتجهان للطفل؟
سيكون من العسير دائما الكتابة للطّفل، طالما لا نمتلك ذلك الطّفل في داخلنا، في أحايين كثيرة تشعر أنّ ذلك الطّفل ميّت في قلوب الكثير من كتّاب هذا النّوع، وبرأيي.. كلّ كتابة لاتستطيع التّواصل مع متلقّيها المفترض والتّفاعل معه، هي كتابة ولدت ميّتة؛ الأمر هنا، لا يرتبط بالمهارات اللّغوية التي تمتلك، بقدر ما يرتبط أساسا، بطفولتك الحيّة أوّلا، وموهبتك، وبساطة أسلوبك، هذا ما يجعل كلماتك دافئة تلمس قلب الطّفل، وتستقرّ فاعلة في لاوعيه
يقول أرسطو:” أسلوب الشّخص هو الشّخص نفسه” وأسلوبي هو البساطة، ومن يمعن النّظر في فلسفة الحياة و الوجود، يرى أنّ بإمكان البساطة أن تختزل كل أسئلة الوجود، وأن تعبّر عن كوامن النّفس البشريّة، وأيضا أن تجيب وتلبّي كلّ حاجات الإنسان للهناءة والسّلام,أما الوعظيّة والخطابية تخرج بالفنّ من دائرة الفعل.