“الداخل مفقود والخارج مولود”، ليس إلى أسواقنا فحسب، وإنما إلى المستشفيات الخاصة والعيادات والمراكز التجميلية والصيدليات التي صنفت نفسها بنفسها ضمن قائمة وسوية “العشرة نجوم”، عملاً بقاعدة “ما حدا أحسن من حدا.. والشاطر من يكسب أكثر”، وصولاً إلى الأطباء الذين سجلوا بتسعيرة كشفياتهم الفلكية سابقة لا مثيل لها زادت من هموم المريض هماً وألماً جديداً لم يكن لا على باله أو خاطره، ولا حتى ضمن “ربع ربع” حساباته وإمكاناته المادية.
ما يجري داخل مربعنا الصحي الخاص لا يمكن معالجة معضلته بكتاب أو ببيان أو بتعميم، كون الشطط الحاصل، والنشاز الواقع، تخطى عتبة الواقعات الفردية، وتحول إلى ظاهرة جماعية تشظت واستشرت وتغلغلت داخل أروقة قطاعنا الصحي الخاص، بالشكل الذي لم يعد معه راتب محدودي الدخل ولا المعاش التقاعدي ولا حتى تعويض نهاية الخدمة “كاملاً” قادراً على سد قيمة فاتورة عملية جراحية بسيطة “الزايدة على سبيل المثال لا الحصر، فما بالكم بعمليات القلب المفتوح وزرع الكلى وأجور الليلة الواحدة في غرف العناية المركزة والمشددة التي تتراوح بين مليون ونصف المليون ليرة وثلاثة ملايين ليرة.. دام فضلكم”.
كل ذلك دون أن نأتي على ذكر من اضطر مجبراً إلى بيع مصاغ زوجته أو جزءاً من أثاث منزله، أو سيارته، أو قطعة أرضه، أو منزله نفسه للاستشفاء لا للسياحة والسفر والاستجمام.
نعم هذه هي القدرة والملاءة المالية لأصحاب الدخل المحدود الذين تضطرهم الآلام والأوجاع والأمراض غير المحمودة والمحتملة التي يعانون منها على زيارة الطبيب – مرغمين ومجبرين – في عيادته الخاصة ودفع أكثر من 20 % من رواتبهم الشهرية لقاء كشفية خاطفة لا تتجاوز مدتها العشرة دقائق، كل ذلك دون أن نأتي على ذكر المراحل اللاحقة من تحويل المريض إلى المختبر أو مركز الأشعة الذي يتعامل معه “سراً ـ لقاء نسبة أو عمولة”، ومنها إلى المشفى الخاص المتعاقد معها ودفع المعلوم بعد كل زيارة.
ما يحدث في المشافي الخاصة والعيادات لا يحتاج إلى وقفة “تأمل” فقط من وزارة الصحة ونقابة الأطباء وإصدار بيان ورقي أو تصريح شفهي حول الممارسات والتجاوزات والمخالفات.. التي بدأت تشوب وبشكل فاقع وفاضح هذه المهنة الإنسانية – النبيلة، ومحاولات البعض تحويلها إلى تجارية – ربحية – استثمارية بالمطلق، تحت حجج وأعذار ارتفاع التكاليف وغلاء الأسعار “المواد والتجهيزات والمحروقات والكهرباء”، محاولين وللأسف استغلال الجهود الجبارة والاستثنائية بكل المقاييس والمعايير التي تقدمها المشافي العامة، وحجم الضغط الكبير جداً وغير المسبوق الذي تتعرض له على مدار الساعة خلال استقبالها وتقديم العلاج والدواء “دون سلفة أو أي دفعة ع الحساب” لعشرات إن لم نقل لمئات المرضى لا الزبائن، الذين ضاقوا ذرعا وامتعاضا من حالة التمادي الحاصلة في المشافي والعيادات الخاصة دون أي رادع إخلاقي أو وازع إنساني، واستماتتهم الدائمة للهروب من تقديم أي فاتورة حقيقية للأجور الخلبية التي يتقاضونها شفهيا لا كتابيا، كون الأمر يرتب عليهم الدخول في معادلة التكليف الضريبي.. التي يخشونها ويحسبون لها ألف حساب وحساب.. على الرغم من أن العنوان العريض لمهنتهم “الضمير ـ الإخلاص ـ الشرف – الواجب”ولا شي سواهم.
السابق
التالي