في ظل المستجدات الدولية والإقليمية تختلف الرؤى والتحليلات السياسية بشأن الحلول المطروحة وآلياتها وخطواتها التنفيذية الممكنة، فلئن كان العالم يقف على ساق واحدة بانتظار نتيجةً العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإنه ما زال يترقب تطورات الوضع في سورية والمآلات المحتملة في المستقبل القريب بعد التصريحات التركية الداعية للتقارب مع سورية ودخول الوساطة الروسية بين البلدين مرحلة متقدمة، ليأتي بعدها الحضور الإماراتي والإيراني منفردين إلى دمشق، فهل ثمة مقومات عملية تدعم هذه المساعي؟
وهل تستند تلك المساعي لعوامل موضوعية تأخذ بالحسبان المعاناة والخسائر التي تكبدتها سورية وشعبها على امتداد السنوات الاثنتي عشرة الماضية ؟ وهل تسحب تركيا قواتها الغازية من المناطق التي احتلتها وتسليمها للجيش العربي السوري والتوقف عن دعم المجموعات المسلحة والتحول إلى مرحلة التعاون لمواجهة الإرهاب والدخول بعد ذلك في اعتماد صيغة التعاون المشترك لبناء علاقات التعاون ذاتها وفق أسس المصالح المشتركة المستمرة بين البلدين الجارين؟
ربما حملت التوقعات الكثير من التفاؤل لدى بعض المحللين، ممن رأوا خطوات اللقاءات متسارعة نحو اتفاق قريب، الأمر الذي لم يحصل دون خطوات عملية والتزامات مضمونة من الجانب التركي.
وبعد ذلك فإن المعطيات تغيرت باتجاهات معاكسة، فقد تزامن تقديم الانتخابات الرئاسية التركية لمنتصف أيار القادم مع اتخاذ أردوغان موقف معاد ضد السويد بعد قيام متطرفين بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في استوكهولم، الأمر الذي ينتظره أردوغان المعروف بحبه الكبير لاستغلال هكذا مواقف وتحويلها إلى قضية إعلامية ودينية ضد (الغرب الصليبي) ترافقت مع رفض دخول كل من السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي والتشدد في هذا الموقف، بصورة تعيد مواقف مشابهة كما حصل في دافوس بحضور عمرو موسى وكما حدث مع سفينة مرمرة التي كانت تستهدف كسر الحصار الصهيوني على غزة، لتأتي النتائج بعدها اتفاقاً وتنسيقاً وتعاوناً مع العدو الصهيوني، وهو ما يراه المتابعون من موافقة على انضمامهما بعد الانتخابات الرئاسية.
ُوهكذا فإن مخاوف أردوغان التي دفعته للتقارب مع سورية، وأساسها موضوع اللاجئين، وجدت اليوم ما يخفف من وطئتها عليه في هذه القضية التي سيستخدمها أردوغان في جميع أبعادها، فقد بدأت أجهزة الإعلام المؤيدة لحزب العدالة والتنمية بتصعيد خطاباتها في انتقاد (الغرب الصليبي) للاستفادة من أصوات المؤمنين الذين يتم تضليلهم من خلال التركيز على فكرة حامي الدين والمقدسات والمدافع عنها ليفوز بفترة رئاسية جديدة.
ويضاف لهذا الأمر حالة الضعف والتراجع في قوة الأحزاب المعارضة التي وصلت لمرحلة التسليم بالواقع السياسي الذي فرضه أردوغان خلال سنوات حكمه الماضية، من خلال التحكم بمفاصل الدولة كلها من القضاء والمحكمة الدستورية العليا واللجنة العليا للانتخابات وقيادة الجيش وغيرها الأمر الذي قد يحسم الانتخابات قبل حدوثها وقد يحول دون فاعلية أي طعن أو اعتراض بشأن وقوع عمليات تزوير أو تجاوز في الانتخابات، وهو ما يعطي مؤشرات تدعم احتمالات الفوز بعيداً عن تأثير العوامل السياسية الخارجية وقضية اللاجئين.
ومن جانب آخر فإن هذه الصورة تبقى مجرد احتمالات غير مؤكدة مقابل العوامل المؤثرة والفاعلة والمرتبطة بالعدوان التركي والممارسات المتمثلة في دعم المجموعات المسلحة ومواجهة أنقرة لمعارضي النظام التركي من الفصائل الكردية، تلك التي تؤثر بشكل مباشر وفعلي في تحديد التوجهات المحتملة والتي تدفع باتجاه البحث عن حل للخروج من المأزق المتمثل بالوقوع في المستنقع السوري وما يترك من آثار كارثية على مستقبل كل من ساهم في العدوان وتوهم في يوم مضى أنه قادر على الخروج منه منتصراً.