مدحة عكاش ومجلته (الثقافة)

الملحق الثقافي- أحمد بوبس:
لعل الكثيرين من الأجيال الجديدة لا يعرفون، بل لم تسمع آذانهم اسم الأديب الكبير مدحة عكاش الشاعر والكاتب والرائد في مجال الصحافة الثقافية في سورية. فهو صاحب ورئيس تحرير أشهر مجلة أدبية في سورية مجلة (الثقافة) وأختها جريدة (الثقافة الأسبوعية) اللتين تخرج منهما الكثيرمن الشعراء والأدباء في وأنا منهم. واستحق بجدارة لقب (أصمعي العصر الحديث) لسعة اطلاعه على الأدب العربي عامة والشعر بشكل خاص، فقد كان يحفظ عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية من مختلف العصور العربية. وأذكر أنه ما من مرة جلسنا فيها معه وذُكر اسم شاعر عربي مهما كان مجهولاً، إلا وأفاض في التعريف به وأورد العديد من إبداعاته الشعرية. كما كان حجة في اللغة العربية، لدرجة أنه قام بتدريس الأدب العربي في كبريات الثانويات بدمشق، مع أنه يحمل إجازة جامعية بالحقوق وليس بالأدب العربي.
وكما ذكرت فإن مدحة عكاش أحد أوائل رواد الصحافة الثقافية في سورية، إذ أصدر مجلة (الثقافة) الشهرية، وصدر العدد الأول منها في أيار 1958، وبعد سبع سنوات تحولت إلى جريدة أسبوعية حملت اسم (الثقافة الأسبوعية)، وفي عام 1975 عادت مجلة (الثقافة) الشهرية للصدور مع استمرار (الثقافة الأسبوعية) التي تخصصت في نشر المقالات الثقافية المنوعة والنتاجات الشعرية، بينما تخصصت المجلة بنشر الدراسات الأدبية والفكرية. وكتب في الاثنتين كبار الأدباء والكتاب في سورية والوطن العربي، وكان لي الشرف أنني كنت أحد كتابهما. واستمرتا في الصدور حتى عام 2011، إذ توقفتا بسبب رحيل مؤسسهما.
وعلى الضفة الأخرى كان مدحة عكاش شاعراً مبدعاً، ولكنه مقلاً، إذا كانت المجلة والجريدة تستهلكان جل جهده، والإبداع الأدبي بحاجة إلى لحظات خلو مع النفس للتأمل والتخيل، وهذا مالم يكن متاحاً له، إذا كان العمل الأدبي والثقافي يستغرقان جل يومه. ومع ذلك جمع بعض إنتاجه الشعري في ديوان شعري وحيد، حمل عنوان (يا ليل)، وضم بين جلدتيه خمساً وعشرين قصيدة من الشعر العمودي، تنوس موضوعاتها بين الوجدان والعاطفة. وكتب الدكتور شاكر مصطفى تقديماً مسهباً للديوان، ومما قاله فيها:
(يا ليل…آهة ذبلت على شفاه قومي وهم يرددونها صباح مساء منذ قرون لا أدري مداها، ولست أعلم أي شيطان وسوس بها إلى شاعرنا الصديق مدحة عكاش فجعله يلقي بها على عتبة ديوانه، ويزرع تقاسيمها على البحور.
وأعترف أنني طربت للتسمية دون أن أدرك على الضبط منزلها من تلك النفس الشاعرة ولا معناها. طربت لأنها فتحت لي آفاقاً أين منها سدرة المنتهى…).
ومدحة عكاش أبدع قصائد الديوان في أوج شبابه، حيث روحه المتوثبة نحو الجمال والأنثى رمزه، فكان جموحاً في غزله، لا يكفيه ثغر واحد:
لا لهويَ العاتي ولا أكوابي
تُثني جموح صبابتي وشبابي
أيقظتُ في دنيا الفتون مشاعري
وجعلتُ في محرابه محرابي
لكن مشاغل الحياة وانصراف الأديب عكاش إلى تدريس اللغة العربية وإلى إصدار جريدته ومجلته، كانا على حساب شعره. لكنه عوّض عن ذلك في رعاية الكثير من المواهب الشعرية والأدبية الشابة التي أصبحت أسماء مرموقة بفضله.
وفي الحقيقة كان هناك سبب أهم في إقلاعه عن كتابة الشعر، أسره لي في جلسة خاصة معه. يوها قال لي إنه توقف عن كتابة الشعر لأنه أحسّ أنه لن يكون في مستوى فطاحل الشعراء العرب، ولن يضيف إلى ديوان العرب أية إضافة قيّمة. وهذه شجاعة لا يستطيعها أيٌ كان.
وهناك سر آخر باح لي به، وهو أن قصيدة (خُلقت جميلة لتعذبينا) التي لحنها خالد أبو النصر وشدت بها زكية حمدان في خمسينيات القرن العشرين، والتي يُنسب نظمها إلى الشاعر نوفل إلياس، أن البيتين الأولين له، وهما:
خُلقت جميلة… لتعذبينا ولسنا في غرامك مجرمينا
إذا كان الهوى والحب عيبٌ فكل معليب العشاق… فينا
ونظم الأستاذ مدحة هذين البيتين في سهرة طرب جمعته مع زكية حمدان، وقالت له زكية مازحة (ألم يحرك غنائي مشاعرك؟)، فنظم البيتين وأعطاهما لها، وبعد فترة وجدت زكية حمدان البيتين جميلين، ويصلحان لأن يكونا أغنية، ولكن مدحة عكاش بعيداً عنها، فأعطت البيتين للشاعر نوفل إلياس، وأكملهما، ولحنهما خالد أبو النصر، لتكون من أجمل الأغنيات زكية حمدان.
ومدحة عكاش أغنى المكتبة العربية بستة من كتب الدراسات الأدبية، تناولت مواضيع أدبية متنوعة، وهذه الكتب هي:
– ابن الرومي (دراسة) – دمشق 1948.
– رسائل الجاحظ – دمشق 1966.
– من روائع الأدب الأندلسي (دراسة ومختارات).
– القصائد الأولى لبيتر توميست (مترجمة عن الانكليوية).
– بدوي الجبل (دراسة ومختارات) – دمشق 1968.
– كتاب الثقافة – صدر الجزء الأول والثاني منه عام 1970.
وإضافة إلى هذا كله فقد كان مكتبه داراً للنشر أيضاً. فقد كان يُشجع الأدباء الشباب الذين تُغلق في وجوههم دور النشر الرسمية والخاصة، فيصدر لهم مجموعاتهم الشعرية والقصصية، وبلغت هذه الإصدارات الآلاف.
وإذا نسيت فلن أنسى كيف كان مكتب المجلة والصحيفة في زقاق الصخر (مكان فندق الفور سيزنز)، والذي هو بيت دمشقي جميل بباحته الواسعة وبركة المياه التي تتوسطها، كيف كان هذا المقر عبارة عن صالون أدبي يجتمع فيه كبار الأدباء، وفي فصل الصيف كان ينعقد في باحة الدار وقت الأصيل، فكانت الكراسي تصف على شكل نصف دائرة حول البركة، يتصدرها الأستاذ مدحة وعلى يمينه وشماله يجلس الأدباء، يتبادلون أحاديث ثقافية وأدبية متنوعة. وكان نصيبي أحد الكراسي المتطرفة لكوني أصغرهم سناً وقيمة، هنا تعرفت على العديد من الأدباء الكبار أمثال عبد السلام العجيلي وعبد المعين ملوحي وناديا خوست ونجاة قصاب حسن وغيرهم كثيرين. وكانت هذه اللقاءات مدرسة مهمة لي تعلمت منها الكثير.
ولابد لي أن أعترف هنا بفضل الأستاذ مدحة عكاش عليّ. إذ رعاني في بداياتي، وفتح لي المجلة والجريدة أنشر فيهما شعري، ورشحني أكثر من مرة للمشاركة في مهرجانات شعرية داخل وخارج سورية، مثل مهرجان المعري في معرة النعمان ومهرجاني الفاتح والحرية في ليبيا.

العدد 1131 – 7-2-2023

آخر الأخبار
تضم بقايا عظام حوالي 20 ضحية اكتشاف مقبرة جماعية في قبو بمنطقة السبينة بريف دمشق الأوروبيون: ملتزمون بتعزيز أمن أوروبا وإحلال السلام الدائم في أوكرانيا مؤسسات تعليمية وتربوية واعية لبناء الدولة.. القاسم لـ"الثورة": خطى حثيثة للنهوض بواقع التعليم في حلب لماذا أعجبت النساء بالرئيس أحمد الشرع؟ مدارس درعا بلا مازوت..! حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية تنسيق بين "الزراعة والكهرباء" بطرطوس لوقاية الزراعة المحمية من الصقيع ٥٥ ألف مريض في مستشفى اللاذقية الدوريات الأوروبية الإنتر وبرشلونة في الصدارة.. وويستهام يقدم هدية لليفر روبليف يُحلّق في الدوحة .. وأندرييفا بطلة دبي مركز متأخر لمضربنا في التصفيات الآسيوية هند ظاظا بطلة مهرجان النصر لكرة الطاولة القطيفة بطل ودية النصر للكرة الطائرة مقترحات لأهالي درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري "أنتم معنا".. جدارية بدرعا للمغيبين قسراً في معتقلات النظام البائد