الملحق الثقافي- رنا بدري سلوم:
لا تسأل كاتبة في أي وقتٍ تكتبين، يا صديقي، نحن النساء نعلّق أفكارنا على حبال الغسيل بملاقطِ الوقت، كي لا ننسى مع ضجيج مسؤولياتنا المعلّقة فعل الكتابة، نكتب ونحن نعدّ فنجان قهوة الصباح المهيّلة بحبر اللغة، نكتب ونحن نعد وجبات سعادة يلتهمها أطفالنا، وهم لا يملكون مفاتيح الكلام للشكرِ والامتنان أمام لذة الطعم والمعنى، فنعجن طحينِ الأفكار أرغفة مقمّرة يخمرها الوقت بعفّة الانتظار، فنكتب في كل حين بكحل العيون ووسوسة الظنون، ألسنا رّباتِ القلوب؟ فتارةً نكتب بأقلام الحمرة على شفاه الأيام المتشققة، وتارة أخرى نكتب ونحن نقلّم أظفار الوقت، ونلّون حياتنا المتكسّرة بطلاءِ الورد، فتظهر الأبجدية مطعّمة بحلّةِ الأنوثة الطاغية، لذا نكتب في كل وقت كي لا تشيخ فينا مرآة ولا تجف أرضُ الذات التي غدت رهن إشارةٍ لمن يشاركنا الأنفاس والإحساس، فلا وقت لنا وللريح حين تهب وتعصف، وإن أغمض القلم عينه نستكين معه في غفوة محارب، نتمنى أن تتوقف فيها عجلة التفكير، لنستريح من بنات أفكارٍ لم تلد بعد، تحدث تصدّعاً وحركة داخلية مزعجة لا توقفها مسكناتِ القلم، وبنات أخرى أجهضناها كي لا تعيش بشلل أو قلبٍ مبتور، لا أقصد الجندريّة في الكتابة بين نون النسوة وواو المذكّر السالم، أنتم حقاً سالمون من قيدِ اللغة تكتبون كما تعيشون!، لكن كلانا يمارس فعل الكتابة كمحارب لا يستريح في ساح الوغى، لا يرمي سلاحه، لا يغمض عينيه، لا يأمن ولا ينام، نكتب في كل وقتٍ كالقلق كالريح تعصف الفكر لتستجمع غمام الأدب، فتهطل وتهطل لتروي عطش الروح بملح الإبداع هكذا يستمر العطش ولا نرتوي ويتسمر فعل الكتابة ولا نتعب، فكيف يحكمنا الوقت لنكتب؟، وكيف نُسكت أفكارنا التي نتبعها في كل الأمكنة حتى تعلن ولادتها للنورِ في إمارةِ الأدب المقدّسة، فترانا نحاكِم أنفسنا أمام محكمة الضمير بعد أن فرغنا من حملٍ ثقيلٍ ونتساءل: هل أجدنا بما كتبنا؟ ثم تجيبنا أفكارنا: الكتابة خلاص لأرواحنا وملاذ آمن لسين السؤال والجواب، فسمعاً وطاعة لأمر الكتابة التي نحن رهنُ إشارتها في كل وقت وزمان.
العدد 1131 – 7-2-2023