سامي الشوا …أمير الكمان

الملحق الثقافي- أحمد بوبس:

تعتبر أسرة الشوا من أهم الأسر الموسيقية في مدينة حلب، هذه الأسرة التي أنجبت العديد من العازفين والمطربين الذين احتل كل واحد منهم مكانة مرموقة في مجال فنّه، لكن من أهمهم وأشهرهم عازف الكمان سامي الشوا الذي امتلك عبقرية فذّة في العزف على الكمان، حتى استحق بجدارة لقب :(أمير الكمان). ولم يكتف بذلك، بل كان عالماً متبحراً في العلوم الموسيقية، إذ تعمق في المقامات والأوزان والنظريات الموسيقية العربية والغربية حتى أصبح حجة فيها.
ولد سامي الشوا في حلب عام 1889، ووالده انطوان عازف الكمان. وتمتع سامي بإذن موسيقية حساسة من صغره، وكانت الأسرة تقطن في حي الهزازة بحلب، وكانت ترتفع بجوار البيت مئذنة جامع الحي. وذات فجر ارتفع صوت المؤذن (الله أكبر)، وإذ بالطفل سامي ينهض، ويحمل آلة كمان أبيه ويعزف الأذان بأجمل ما يكون العزف، فاستيقظت والدته وطفقت توبخه لإيقاظها بعبثه، أما الأب فرسم ابتسامة عريضة على شفتيه، فقد عرف مستقبل ابنه، وعرف ماذا عليه أن يفعل بعد استيقاظه من النوم في ذاك الصباح.
طفق أنطوان الشوا يرعى ابنه ويعلمه مبادئ الموسيقا، وكان يصطحبه في زياراته للقاهرة، وفي عام 1905 استقر سامي مع أسرته في القاهرة، وهناك دفعه والده إلى الموسيقي منصور عوض، فتعلم على يديه العلوم الموسيقية كافة، وبسبب احتكاكه بالعازفين الأوروبيين أجاد العزف على الكمان بالأسلوبين الشرقي والغربي.
وفي مصر عزف سامي الشوا ضمن أكبر الفرق الموسيقية، منها الفرقة الموسيقية لكوكب الشرق أم كلثوم. وبدأ العزف معها منذ أن بدأت الغناء بمصاحبة الآت الموسيقية في أولى حفلاتها يوم الخميس الثاني من تشرين أول عام 1926 على مسرح دار التمثيل العربي.
القدرات الكبيرة في العزف على الكمان وشهرته الواسعة التي نالها، جعلت سامي الشوا يتلقى الكثير من الدعوات للعزف، سواء في البلدان العربية أو الأجنبية، ففي عام 1910 زار الأستانة . فعزف في حضرة الأمير يوسف عز الدين ولي عهد السلطان. فأعجب به الجميع وخاصة كبار الموسيقيين الأتراك. وتركز إعجابهم في نهايات القفلات الخلابة التي يطلق عليها في مصر القفلة الحراقة، ويطلق عليها أهل الشام البرمة.
وفي عام 1928 زار ايطاليا وعزف أمام ملكها وملكتها على كمان قديم ورثه عن جده يوسف الذي كان يعزف عليه أمام ابراهيم باشا. ومن الطريف أن سامي عزف على هذا الكمان على وتر واحد فأدهش الملكين، وأهدته الملكة هدية من الماس.
وفي عام 1931 زار برلين برفقة حسن باشا، وأحيا حفلة في المعهد الموسيقي الرسمي، فانتزع إعجاب الموسيقيين الألمان ببراعته. وطبعت معزوفاته على اسطوانات لصالح المعهد. وفي تلك الزيارة التقى العازف العالمي كوبليك وعزف أمامه عدة مقطوعات، فانتزع إعجابه. وبعدها زار باريس وعزف في الكونسرفتوارالوطني .
وفي عام 1934 قام برحلة إلى الولايات المتحدة الأميركية وأحيا فيها العديد من الحفلات حقق فيها نجاحاً كبيراً. وتكريماً له على تلك النجاحات، وبعد عودته إلى القاهرة أقامت له رابطة الأدب للشباب العربي حفل تكريم كبير.
وفي عام1935 زار تونس بدعوة من البارون رودولف دير لينجه وأحيا حفلة مع الشيخ علي الدرويش الذي عزف على الناي. وأقيمت الحفلة في قصر البارون دير لينجه الذي كان يعرف بقصر الزهراء في مدينة بوسعيد.
كما زار الكثير من الدول العربية والأجنبية وعزف فيها ومن الدول التي زارها غير ما ذكرنا بلجيكا وبلغاريا ورومانيا والعراق والأردن والمغرب وايران وزار أميركا الشمالية والبرازيل والأرجنتين، وعزف أمام الجاليات العربية هناك .
وكان لسامي الشوا نشاطات موسيقية أخرى، فقد شارك في مؤتمر الموسيقا العربية الذي انعقد في القاهرة في شهر آذار عام 1932، والذي شارك فيه كبار الموسيقيين العرب والعالميين. وكان له فيه دور فعّال، إذ كان عضواً في لجنة المقامات والايقاع والتأليف التي كان يرأسها رؤوف بكتابك. وكان من بين أعضائها الموسيقيَين السوريين جميل عويس وعلي الدرويش. وقبل ذلك كان قد تمّ اختياره كعضو في اللجنة التي تمّ تشكيلها في معهد فؤاد الأول عام 1930، والتي ناقشت موضوع السلم الموسيقي العربي. واتخذت قراراً باعتماد السلم الموسيقي العربي المعدل. وكان في اللجنة إلى جانب سامي الشوا كلّ من مصطفى رضا وصفر علي ومحمد العقاد وإدوار فارس ونجيب النحاس ومصطفى العقاد وأميل عريان ومحمود زكي. وتشارك مع الموسيقي منصورعوض في إنشاء المدرسة الأهلية لتعليم الموسيقا التي تحمل اليوم اسم المعهد العالي للموسيقا بالقاهرة.
وإضافة إلى عزفه على الكمان ، كان سامي الشوا مؤلفاً موسيقياً مبدعاً. إذ وضع الكثير من المؤلفات الموسيقية التي توزعت ما بين القوالب الموسيقية التراثية (السماعي والتقاسيم والتحميلة) وما بين المؤلفات الجديدة.
وإحاطة سامي الشوا بالموسيقا وعلومها ساعده على خوض غمار البحث الموسيقي، فوضع الكثير من الدراسات والأبحاث الموسيقية، لكن لم يصلنا من هذه الدراسات إلا القليل. ومن أهم أبحاثه كتاب (منهج العود الشرقي) عام 1921، وكان تدريسه مقرراً في المدرسة الأهلية لتعليم الموسيقا. وتشارك مع منصور عوض في تأليف كتاب (القواعد الفنية للموسيقا الشرقية والغربية) عام 1946. ووضع لوحده كتاب (ميتودا) في تعليم العزف على الكمان. ووضع كتاباً آخر جمع فيه مقامات وإيقاعات الموشحات والأدوار التي كانت شائعة في زمانه.
بعد رحلة طويلة مع الموسيقا، زادت عن نصف قرن رحل سامي الشوا يوم الجمعة 31 كانون أول1965 في القاهرة ودفن فيها عن عمر يناهز ستة وسبعين عاماً .

العدد 1132 – 14-2-2023

آخر الأخبار
تضم بقايا عظام حوالي 20 ضحية اكتشاف مقبرة جماعية في قبو بمنطقة السبينة بريف دمشق الأوروبيون: ملتزمون بتعزيز أمن أوروبا وإحلال السلام الدائم في أوكرانيا مؤسسات تعليمية وتربوية واعية لبناء الدولة.. القاسم لـ"الثورة": خطى حثيثة للنهوض بواقع التعليم في حلب لماذا أعجبت النساء بالرئيس أحمد الشرع؟ مدارس درعا بلا مازوت..! حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية تنسيق بين "الزراعة والكهرباء" بطرطوس لوقاية الزراعة المحمية من الصقيع ٥٥ ألف مريض في مستشفى اللاذقية الدوريات الأوروبية الإنتر وبرشلونة في الصدارة.. وويستهام يقدم هدية لليفر روبليف يُحلّق في الدوحة .. وأندرييفا بطلة دبي مركز متأخر لمضربنا في التصفيات الآسيوية هند ظاظا بطلة مهرجان النصر لكرة الطاولة القطيفة بطل ودية النصر للكرة الطائرة مقترحات لأهالي درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري "أنتم معنا".. جدارية بدرعا للمغيبين قسراً في معتقلات النظام البائد