الملحق الثقافي- سلام الفاضل:
تسعى الفلسفة إلى فهم الواقع وتفسيره وتغييره، وأن ذات الفلسفة هو البحث عن الحقيقة لامتلاكها. والتفلسف هو السير في طريق الفلسفة، ودأب على الطريق المفتوح. وهذا السير الموصول بتجربة الفكر المبدع قدر الإنسان في الزمان، ولذلك من المحال أن يُحبس الجهد الفلسفي في نطاق معرفة أخيرة قطعية.
وفي هذا قال الفيلسفوف الإنكليزي فرنسيس بيكون: «لكي نعرف الطبيعة يتعين علينا الخضوع لها»؛ أي إننا لن نفهم الطبيعة إلا إذا دنونا منها، واكتشفنا من خلالها القوانين التي تحكم مسارها.
ومما لا ريب فيه أن الفلسفة اليونانية كان لها أثرٌ عميق في المتفلسفين في العصور الوسطى الأوروبية، وكان لأرسطو بوجه خاص أثرعظيم في الغرب ذلك منذ أن اعتنقت الكنيسة آراءه وحوّلتها إلى فلسفة إلهية للقرون الوسطى، وعدّت كلّ مخالف لها كافراً. لكن، مع نهضة المجتمع الأوروبي وما رافقها من تطورات، بدأ العقل الأوروبي يدعو إلى الإصلاح الديني، والأخذ بوسائل التقدّم العلمي، وخطا خطوات كبيرة في ميادين الأدب والفن والعلم، ساعده في ذلك انتقال مجتمع أوروبا الغربية من النمط الزراعي الإقطاعي محدود الأفق إلى النمط الجديد الصناعي الرأسمالي بآفاقه المفتوحة، مما أسهم في تطور ونمو المدن، وظهور التجار والصناعيين وأصحاب البنوك، وإحراز نجاحات أخرى عززت ازدهار أسلوب الإنتاج الرأسمالي وقد ارتبطت هذه النجاحات بعناوين كثيرة ضمن محورين أساسيين، هما: الكشوف الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، والتغيرات الثقافية والفكرية الرحبة التي كسرت الجمود الفكري اللاهوتي السائد، وأسهمت في ظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين الذين قطعوا كلّ صلة لهم باللاهوت الديني، وارتبطوا مباشرة بالفن والعلم، وقد سمي هؤلاء بأصحاب النزعة الإنسانية الذين أخذوا على عاتقهم نشرعلومهم الدنيوية التي كانت بالفعل أقرب إلى التعبير عن المزاج البرجوازي الصاعد آنذاك. وفي هذا السياق تولّدت المفاهيم والأفكار والمدارس الفلسفية معلنة بداية عصر جديد للبشرية؛ هو عصر النهضة والتنوير.
والكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان :(أعلام الفلسفة الغربية الحديثة)، تأليف: د. صالح شقير، يعد إلى جانب كونه يؤرخ لأعلام الفلسفة الغربية الحديثة التي ظهرت بعد فلسفات العصر الوسيط، مرجعاً مهماً للمهتمين والباحثين وطلاب الفلسفة لأنه يدل بوضوح ويسرعلى أهم رجال الفلسفة منذ بداية القرن السابع عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر، أولئك الفلاسفة الذين أحدثوا تغيراً حاسماً في التاريخ البشري على المستوى الفلسفي والسياسي والعلمي… إلخ. جعلت المفكرين يعتقدون أنه يمكن تفسير النظام الأساسي للكون عن طريق الجهود العلمية، وأنه يمكن السيطرة على كلّ مسارات الطبيعة والكشف عن أسرارها؛ ويقول مؤلف الكتاب في مقدّمته: «حاولت أثناء إعداد هذا الكتاب أن أنحو خطاً فكرياً واحداً بغية ربط الكتاب كلّه بخيط فلسفي موحد، وأعني به الخط الواقعي في التفكير الفلسفي، وذلك من خلال رصدي لكوكبة من فلاسفة العصر الحديث، وأن أترك بصمة التحليل والنقد والتعقيب على نتاج كلّ فيلسوف. وحسبي أن يقدّم هذا الكتاب إلى القارئ العربي عامة، وطالب الفلسفة بوجه خاص الغرض المنشود منه وهو تمكين حبّ الحكمة في قلبه، وتحريك اهتماماته الفكرية والثقافية والسياسية… وهل ثمة علم غير الفلسفة يستطيع أن يقدّم هذه النظرة الشمولية إلى الحياة؟!».
العدد 1132 – 14-2-2023