الثورة – ترجمة رشا غانم:
ما الهدف من الديمقراطية، أليس الهدف منها، هو الازدهار، وليس الانحطاط، التوحد وليس الانقسام، العدالة لا الهيمنة؟.
في هذا الصدد، تمثل الولايات المتحدة المثال السيئ لذلك بكل معنى الكلمة، ففي خطابه الأخير عن الاتحاد، عزز الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابه الذي دعي بالملحمة الأسطورية، وجاء تحت عنوان “حين تكون الديمقراطية مقابل الاستبداد”.
خلال الخطاب، أكد بايدن أن الديمقراطيات تتعزز أكثر فأكثر، داعياً الناس للتوحد ضد التحديات الخطيرة في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، فإن بادرة التشجيع المتعمدة هذه تعكس شعور واشنطن بالأزمة المتمثلة بالديمقراطية على غرار الولايات المتحدة، والتي لطالما استخدمتها واشنطن كسلاح للتحريض على الصراعات، والتي أيضاً لطالما دقت ناقوس الخطر بشكل متزايد في العالم، في حين أن راية الأيديولوجية لم تعد قادرة على إخفاء اللون الحقيقي للهيمنة والغطرسة والتنمر.
ما حدث في سورية في اليومين الماضيين هو أبلغ مثال توضيحي، فلقد تعرضت سورية – التي شهدت سنوات من الحرب – لزلزال قوي، واضطر الناس إلى الحفر بين الأنقاض بأيديهم فقط بسبب نقص المعدات والإمدادات اللازمة، ولزيادة الطين بلة، أعاقت العقوبات الأمريكية بشدة إيصال المساعدات الإنسانية – مثل الأدوية – إلى سورية، وفي مواجهة دعوات من المجتمع الدولي لرفع العقوبات، رفضت واشنطن في البداية هذا الطلب الإنساني باستخدام الخطاب الملحمي “الديمقراطية مقابل الاستبداد”.
في وقت لاحق، وبسبب الضغط المتزايد من الرأي العام العالمي، وافقت الولايات المتحدة على مضض على تخفيف بعض العقوبات ضد سورية، وهذا التحول يثبت نفاق ما يسمى بسرد الولايات المتحدة للديمقراطية، ففي الواقع، وتحت ستار “الديمقراطية” تدخلت واشنطن بقوة في الشؤون الداخلية لسورية، ما أدى إلى الحرب المستمرة والدمار الاقتصادي في البلاد.
وإلى يومنا هذا، لا يزال الجيش الأمريكي في سورية التي توجد فيها حقول النفط الرئيسة، ويسيطر على أكثر من 80 في المئة من إنتاج النفط في البلاد، ويستولي على مخزونات الغذاء السورية، فهذا هو الانعكاس الحقيقي لـ “الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة”.
على أي حال، سورية ليست المثال الوحيد، فيكاد يكون قانوناً أنه أينما تتبجح واشنطن بالديمقراطية، لا يوجد سلام، فلا يزال مبدأ مونرو يطارد أمريكا اللاتينية؛ والحرب الناجمة عن توسع الناتو شرقاً لا تزال مستمرة في أوروبا؛ حيث أدت سنوات من الحرب إلى أزمات إنسانية هائلة في الشرق الأوسط؛ وكانت واشنطن تحرض على سباق تسلح ومواجهة الكتلة باسم الديمقراطية في آسيا والمحيط الهادئ، بينما لم تسفر هذه الممارسات عن مخاوف للمجتمع الدولي فحسب، بل أدت أيضاً إلى إثارة القلق داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث أشار مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز في عام 2020 بصراحة إلى أنه في أوائل القرن الحادي والعشرين، فإن القوة التي سعت إلى الهيمنة على العالم، وإكراه الآخرين وانتهاك القواعد، هي الولايات المتحدة الأميركية.
اليوم تنشر الولايات المتحدة قوات في أكثر من 170 دولة، والعشرات من الدول مستهدفة بالعقوبات الأمريكية، ومن نتائج الديمقراطية التي روجت لها الولايات المتحدة في مختلف البلدان والمناطق، فليس من الصعب أن نرى أنه في ظل هيمنة الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة والتنمر والغطرسة، يعاني العديد من الناس من النزوح والجوع والمصاعب يوماً بعد يوم، بينما تجني النخب السياسية في واشنطن الفوائد، والآن، أصبح الدفاع عن الديمقراطية، القبضة الرئيسة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ما أعاق ودمر إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، وأصبحت الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة، آلة قطع تقسم بالقوة عالماً تعددياً إلى ثلاث فئات، حيث تحاول واشنطن احتكار تعريف الديمقراطية استناداً إلى مصالحها، أو استيعاب أو عزل أو مهاجمة دول مختلفة لضمان سيادتها الأبدية، ولكن، وبغض النظر عن مدى أبواق واشنطن، فإن الحقائق تتحدث عن نفسها، فجوهر الهيمنة والتنمر والغطرسة هي الأنانية الشديدة والمصلحة الذاتية، وهي النقطة النهائية لـ”الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة”.
في قاموس واشنطن، المرادف للديمقراطية هو المصالح الأمريكية، ومن ثم، الدولة التي تطيع الولايات المتحدة، تضمن لنفسها الانتقال إلى النادي الديمقراطي.
ولكن حتى هؤلاء الشركاء الديمقراطيين الذين يحملون العضوية لا يسلمون من تنمر الولايات المتحدة، ففي ظل إدارة دونالد ترامب، كانت هناك حرب تجارية واسعة النطاق شنتها الولايات المتحدة مع الدول المجاورة للولايات المتحدة وأوروبا، والآن لا تُظهر إدارة بايدن أي احترام تجاه أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية في العديد من المجالات، بما في ذلك صناعة الرقائق، والعديد من ممارساتها تكاد تكون بمثابة سرقة، فيمكن ملاحظة أنه لا توجد ديمقراطية على الإطلاق داخل نادي الديمقراطية، الذي تفوح منه رائحة الهيمنة والتنمر والاستبداد النتنة.
ولكن الزمن تغير، ولطالما كان العالم غير مستعد للانخداع بالهيمنة والتنمر والغطرسة المتمثلة في الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة، ولا يريد أيضاً أن يصبح ضحية للمصالح الأمريكية.
هناك الآن شعور قوي بالقلق وخيبة الأمل في واشنطن بشأن الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، تدرك النخب في واشنطن أنه إذا كانت الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة مهددة، فسيتبعها تراجع محتمل للهيمنة الأمريكية.
من ناحية أخرى، لا يمكن وقف اتجاه إرساء الديمقراطية في العلاقات الدولية، فهذا سبب مهم وراء ندم العديد من النخب السياسية في واشنطن على زوال الديمقراطية، وفي النهاية ستجيب مرآة التاريخ الإجابة الأكثر عدلاً على سؤال ما هي الديمقراطية الحقيقية وما هو على النقيض تماماً؟.
المصدر- غلوبال تايمز