ثورة أون لاين: دمشق أول مدينة على الأرض وشامة الله عليها وهي أقدم العواصم كيفما فتحت صفحاتها فسوف تقع على كنز من التراث والحضارة مئات الكتب عربية وأجنبية تناولت هذا التراث وقدمت صوراً رائعة منه, وكل يوم يصدر كتاب جديد وفي هذا الإطار نقف عند كتاب صور دمشقية من ذاكرة الإنسان والمكان لمؤلفه منير كيال وهو صادر عن الهيئة العامة للكتاب في دمشق ونظراً لجمالية الكتاب فإننا نقتطف منه باقة نقدمها لقارئنا وندعوه لاقتنائه.
يقف المؤلف عند ذكر أشهر المناطق في دمشق وبالتأكيد تأتي الربوة في مقدمتها.
الربوة:
تشكل الربوة جانباً من الغوطة الغربية وهي من أجمل مرابع متنزهات دمشق لما فيها من التخوت على الأنهار "فروع نهر بردى قبل دخولها مدينة دمشق" والضفاف المترعة بأبهى ما يصبو إليه الإنسان من الخضرة والمياه الوفيرة والمناظر الخلابة والغياض بأشجارها المتعانقة وفيافيها الوادعة وأزاهيرها المنتشرة هنا وهناك.
والناس يأتون إلى الربوة للتمتع بهذه الآيات من الجمال والبهاء فينتشرون جماعات ووحدانا على التخوت المقامة على الأنهار وعلى ضفاف نهر بردى وفي ربوع الغياض والشادروان وعلى أطلال مقاسم بردى وتوزيعاته يشاركون الأزاهير في افتراشهم الأرض ويتقاسمون الفراشات وشقائق النعمان والعصافير النسيم العليل الذي تقربه عيونهم وتنتعش به حواسهم وتنشرح صدورهم بعد كد وجهد لتوفير اللقمة الهينة الحلال لهم ولعيالهم كان من أهم متنزهات الربوة ما كان يعرف بالخلخال والدف والجبهة والجنك ثم العاشق والمعشوق وفي ذلك قول الشاعر:
شوقي "يزيد" وقلب الصب ما بردا "وبان يأسي" من المعشوق حين غدا
ومدمعي "قنوات" والعذول حكى "ثورى" يلوم الفتى من عسفه حسدا
كم مغنية بـ"الجنك" جاوبها شبابة كم بها من "عاشق" سهدا
فالبدر "جبهتها" و "الدف" ربوتها وخلها مات في "خلخالها" كمدا
ساحة المرجة:
عرفت المنطقة التي تمتد بين السنجقدار ومدخل سوق التبن شرقاً وسوق علي باشا وما كان يعرف بالبحصة شمالاً وزقاق رامي جنوباً وبناية الشر بتلي التي حلت محل دار البلدية غرباً وعرفت هذه المنطقة باسم ساحة المرجة وكانت تعرف في بدايات القرن التاسع عشر باسم الجزيرة وباسم بين النهرين لتفريغ نهر العقرباني فيها عن نهر بردى مما يشكل جزيرة خضراء كانت مقصداً للناس أيام الجمع والراحة.
كما أطلق عليها اسم عين القصارين لوجود أرض خضراء معشوشبة على أطرافها وهي محفوفة بأشجار الحور والصفصاف وكان القصارون الذي يمتهنون حرفة إكساب القماش بياضاً ناصعاً كان هؤلاء يأتون بالقماش فينشرونه على العشب ويرشونه بالماء مراراً بوساطة عصا طويلة تنتهي بعبوة يغرف بها من ماء النهر ويرش ذلك القماش الممدود على العشب حتى يقتصر ويصبح ناصع البياض.
وعين القصارين هي متنزه لطيف ماؤه عذب يقصده زمن الصيف غالب أهالي دمشق من المتنزهين وكان منهم من يحضر معه طعامه فيتناوله على العشب أو في ظل شجرة وارفة الظلال ومنهم من يجلس في مقهى من المقاهي المنتشرة هناك فيتناول في ذلك المقهى الأركيلة أو المرطبات على الكراسي أو على الحصر الممدودة على العشب لاستنشاق النسيم العليل أما من يريد تدخين الأركيلة "النارجيلة" فإنه يناول صانع القهوة بعض التنباك من كيس لديه فيقوم الصناع بنقع ذلك التنباك من عصره وفركه على كفه وضغطه على رأس الأركيلة ووضع بصة "جمرة" من الفحم المتقد فوق ذلك التنباك ومن ثم يقدمها للزبون ومن هؤلاء من يلعب النرد "طاولة الزهر" والضومينا وورق الشدة أو اللعب بحصى المنقلة.
وتسمية الساحة هذه بساحة الشهداء فهي نسبة لشهداء الثورة العربية الكبرى الذين شنقهم الوالي العثماني جمال باشا الملقب بالسفاح في يوم الاثنين الواقع من اليوم السادس من شهر أيار لسنة 1016م.
سيف دمشقي:
تفاخر دمشق بسيوفها المبولدة كان السيف الدمشقي مصدر فخر ومضرب مثل بقاع الأرض بشكله ونصله وغمده بل ومقبضه كان النصل من الفولاذ المبولد المحمي من الصدأ وهذا النصل محلى بطريقة التكفيت "التنزيل" أو التطعيم بالذهب والفضة على شكل زخارف نباتية وخيط عربي وكتابات على غاية من الإبداع والدقة وهو ما أطلق عله الباحثون اسم "دامسيكناج" نسبة إلى دمشق.
ولم تقتصر المهارة والذوق على السيف وإنما أيضاً على نصل الخناجر والشبريان وأسنة الرماح.
كان الصناع لا يصبون جهدهم على النصل فقط وإنما أيضاً على القراب والمقبض, فالقراب يزين بزخارف من أسلاك نحاسية وببعض الأحجار الكريمة, أما المقبض فيزين بالصدف والعظم والعاج والقصدير مع أسلاك من معدن الذهب والفضة.
وكان من أبرز من أبدع في صناعة نصل السيف الدمشقي المبولد أسد الدين الدمشقي وتلميذه من بعده الذي كان يوقع باسم المعلم أسد الدين.
وكان النصل الذي يصنعه أسد الدين يعرف باسم الجوهر الدمشقي ونجد في المتاحف العالمية نماذج من تلك السيوف التي صنعها أسد الدين الدمشقي وقد تطور شكل هذا السيف من الشكل المستقيم وأخذ بالانحناء حتى بلغ بمقدار ربع حنية الدائرة.
وأحياناً نجد سكتين أو أكثر في منتصف النصل ويصنع هذا النصل بتحمية الحديد بوساطة نار الكور حتى درجة الاحمرار ومن ثم تجري سقايته بالزيت أو الماء عدة مرات ومن ثم يسلم إلى صناع الغمد الذي يعمد إلى صنع الغمد من الخشب ثم يغطيه بالجلد أو يزخرفه بالنحاس والذهب.
وقد أصبح النصل يضغط بوساطة المكابس ويجلخ ثم يغطي النصل شكله النهائي وبعد ذلك يبولد وينكل لمنع الصدأ.
الثورة أون لاين- يمن سليمان عباس