هدنة رقمية.. مبادرة سلام من خلف الشاشات

الثورة – سعاد زاهر:

تغير الزمن.. وبدلاً من أن تخاض الحروب بالأسلحة التقليدية أصبحت تصل إلى أهدافها بالكلمات والصور والمقاطع القصيرة، لقد تحوّلت الشاشات الصغيرة إلى نوافذ تطلّ على العالم، وبالتالي فإن مواقع التواصل الاجتماعي تعيش تحولاً جذرياً في أدوات التأثير وصناعة الرأي العام، فباتت منصات ”فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” ميادين مفتوحة للحوار، أو ميادين للفتنة، بحسب المستخدمين لا المنصات.
في المجتمعات الخارجة من الحروب، كما هو حال بلادنا، يصبح الحديث عن السلم الأهلي ضرورة تلامس صميم الحياة اليومية، هل بإمكان صورة أو قصة إنسانية أن تبني جسراً للحياة؟

هنا تبرز مواقع التواصل كقوة ناعمة- لكنها بالغة التأثير- في إعادة تشكيل الوعي الجمعي، وفي اختبار قدرة السوريين على إعادة إنتاج ذواتهم كمجتمع.
ما يُميّز هذه المنصات، بخلاف الإعلام التقليدي، هو طابعها التشاركي وقدرتها على تجاوز الرقابة الرسمية والحدود الجغرافية والمناطقية والطائفية.
فالمواطن الذي كان مُقصى عن صناعة الرواية، أصبح الآن طرفاً فاعلاً فيها، والسردية الرسمية الواحدة باتت تتزاحم مع سرديات فردية، إنسانية، وواقعية، تُنشر من قلب البيوت المُهدّمة، ومن تحت الأنقاض، ومن وجوه الأمهات الثكالى.
إذاً ما هي الفرص والتحديات التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز مفاهيم السلم الأهلي وهل يمكننا خلق مساحات مشتركة بين المختلفين سياسياً وثقافياً.

هدنة رقمية

صراعنا لم يبقَ في ميادين المعارك فقط، بل انتقل إلى فضاءات الكلام، حيث الكلمات قد تكون جارحة بقدر الرصاص، وربما أكثر، وعقد “هدنة” على مواقع التواصل لا يعني إلغاء الخلاف، بل تنظيمه وضبطه أخلاقياً، بحيث نمنع الكراهية من التمدد من دون أي المساس بحرية التعبير.
الخطوة الأولى لعقد هدنة، تبدأ من الاعتراف بأن كل السوريين خسروا شيئاً في هذه الحرب.. بعضهم خسر أحبته، بعضهم بيته، بعضهم قضيته، عندما نُسلّم بهذا، نصبح أقل ميلاً لإدانة الآخر وأكثر استعداداً للاستماع له.
من الهام جداً ونحن في هذه الظروف أن نطلق ميثاق شرف رقمي يتبناه ناشطون وصحفيون ومؤثرون، ويقوم على مبادئ واضحة لنضمن عدم استخدام خطاب طائفي أو عنصري، والامتناع عن التعميم والتخوين، واستبدال الشتم بالحجة..

تحالف رقمي للمؤثرين

العديد من المؤثرين السوريين يمتلكون جمهوراً ضخماً، إن تشكّل تحالف غير رسمي من هؤلاء المؤثرين لتبني خطاب متزن، سيُشكل قوة ضغط معنوية كبرى على جمهورهم ومتابعيهم، حين يتحدث المشاهير بلغة هادئة وإنسانية، فإن الآخرين يُقلدونهم.
بدلاً من الاكتفاء بإدانة خطاب الكراهية، علينا إنتاج محتوى يظهر نقاط الالتقاء بين السوريين، قصص التعايش بين مناطق متنازعة، شهادات من أشخاص غيّروا رأيهم بعد اللقاء مع “الآخر”،

كما يمكننا الاستفادة من خوارزميات المنصات من خلال الإبلاغ الجماعي عن الصفحات التي تنشر الكراهية، والتفاعل الكثيف مع المحتوى الإيجابي ليظهر أكثر، تنظيم حملات “تفاعل إيجابي” لدفع المنصات إلى ترجيح خطاب التفاهم.
كما يمكننا الاستفادة من خوارزميات المنصات من خلال الإبلاغ الجماعي عن الصفحات التي تنشر الكراهية، والتفاعل الكثيف مع المحتوى الإيجابي ليظهر أكثر، وتنظيم حملات “تفاعل إيجابي” لدفع المنصات إلى ترجيح خطاب التفاهم.

هل تنقذنا السردية الإنسانية؟

الهدنة لا تُبنى إذا أصر كل طرف على سرديته الذاتية من دون غيرها، ما يوحّد السوريين اليوم هو الذاكرة الإنسانية المشتركة، لا الروايات المتصارعة، إذا ركزنا على مشترك مثل الألم، الخسارة، والحنين، يمكن للكلمات أن تصبح بلسماً لا خنجراً.
في سوريا، لا تدور الحرب فقط بالمدافع، بل أيضاً بالروايات، سرديات تتناحر على الشاشات كما في الميدان: هذه ضحية وذاك متّهم، هذا بطل وذاك خائن، وسط هذا الضجيج، تضيع القصة الأهم: الإنسان.
لكن في زمنٍ أصبحت فيه “منشورات الفيسبوك” ساحة معركة، هل يمكن أن تتحول إلى مساحة تعاطف؟ هل يستطيع السوري أن يروي وجعه، لا موقفه؟ وأن يسمع الآخر، لا فقط يردّ عليه؟..

هذا هو رهان السردية الإنسانية

مواقع التواصل قادرة على حمل هذه السردية، بشرط أن نتوقف عن استخدامها كمنصة اتهام، ونبدأ باستخدامها كدفتر حكايات، بدل منشور يتهم طرفاً.
السردية الإنسانية لا تُنقذ طرفاً، بل تُنقذ ما تبقّى من إنسانيتنا جميعاً، قد لا توقف الاختلاف، لكنها توقف الكراهية من أن تتحوّل إلى ميراث دائم، وقد لا تبني بلداً، لكنها تفتح نافذةً في جدار الكراهية، يدخل منها ضوء.. يكفي لنبدأ من جديد.
الهدنة ليست قراراً من جهة عليا، بل فعلاً يومياً يمارسه كل فرد على هاتفه، وفي تعليقاته، وفي اختياراته للمشاركة أو الصمت.. لا أحد يُطالب السوريين بالنسيان، ولكن يمكن للجميع أن يختاروا الكلام الذي لا يجرح، أو على الأقل، لا يزيد النزيف.

مصالحة حقيقية

في هذا السياق، الذي يطرحه موضوعنا.. يطرح الإعلامي السوري المقيم في ألمانيا، مصطفى علوش، رؤية نقدية وعملية تُعلي من أهمية “الهدنة الرقمية” باعتبارها مقدمة ضرورية لأي مصالحة حقيقية، تتجاوز الشعارات إلى الفعل السياسي والاجتماعي والمؤسساتي.
يقول علوش: من الضروري أن تبدأ الحكومة بإجراءات ملموسة على الأرض، نحتاج إلى بناء علاقة ثقة جديدة بين المواطن والدولة، وهذا لا يتحقق إلا عبر فتح الملفات الساخنة، وأولها ملف العدالة الانتقالية، لأن العدالة المؤجلة تتحول إلى قنبلة موقوتة.
ويتابع: لابد من تفعيل خبرات الدولة، وإشراك الجميع في اتخاذ القرار، لأن كل منطقة في سوريا أدرى بأوجاعها، وهي الأقدر على طرح حلول واقعية بالتعاون مع الإدارة الجديدة.. لابد من تفعيل الإدارة المحلية كمحور في عملية الاستقرار، بحيث يشعر المواطن أن الدولة ليست مجرد سلطة عليا بل شريك في الحياة اليومية.
في طرحه الإعلامي، لا يقل علوش صراحةً: لا نريد أن يتكرر ما عشناه مع إعلام النظام المخلوع، المطلوب اليوم أن تُتاح مساحة لكل الآراء في الإعلام.
بهذه الجملة، يعيد تعريف وظيفة الإعلام في مرحلة ما بعد الحرب.. الإعلام ليس مجرد منصة نقل، بل شريك في بناء السلم الأهلي، وهذا يفترض التخلص من أحادية الخطاب وتقديس الرواية الرسمية، لصالح فتح المجال للروايات المتعددة، والاعتراف بالاختلاف لا شيطنته.
ويتابع: يجب أن نترك الهامش مفتوحاً أمام منظمات المجتمع المدني والمبادرات الفردية وتشجيعها، لا محاصرتها، وزارة الإعلام والثقافة مطالبتان بدعم كل الأنشطة التي تعزز السلم الأهلي.
نحن الآن في محرقة خطاب الكراهية، وهذا واقع مؤلم، لكن لا سبيل للنجاة إلا باتخاذ خطوات جادة، تبدأ بهدنة رقمية، تمر عبر المصالحة، وتنتهي ببناء وطن يتسع للجميع.

آخر الأخبار
أنشطة خدمية وجولات ميدانية لتحسين واقع الحياة في مدينة سراقب الصالح يبحث مع يرلي كايا تعزيز التعاون في إدارة الكوارث منتدى الاستثمار  السوري – السعودي ينطلق في دمشق.. وزير الإعلام:  سوريا تربة خصبة وسوق واعدة للاستثم... منتدى الاستثمار السوري السعودي.. خطوة كبيرة في مسار الانفتاح الاقتصادي عمر الحصري رئيس هيئة الطيران المدني بعيد تكليفه: أتعهد بإطلاق منظومة طيران آمنة وفعالة المنتدى السوري السعودي يؤسس لشراكة نوعية.. وزير الإعلام: 44 اتفاقية بقيمة 6 مليارات دولار القطاع التأميني يتحرّك.. لجنة فنية وملتقى دولي وتدريب حديث مرسوم رئاسي بتعيين شادي سامي العظمة رئيساً لهيئة التميز والإبداع تعزيز التنسيق في إدارة الطوارئ.. زيارة رسمية لوفد وزارة الطوارئ السورية إلى أنقرة التوسع باختصاصات الصيدلة ودعم الخريجين في الشمال مرسوم رئاسي بتعيين عمر الحصري رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني قيمة تأسيسية في مسار بناء الوعي.. التطوع جوهر الشراكة المجتمعية "توب بلاستيك" قصة نجاح من غازي عنتاب إلى حسياء الصناعية يعكس ثقة استثمارية سعودية متزايدة.. إطلاق أول مصنع للإسمنت في سوريا "حمزة لم يحمل سوى شارة الإنسانية".. قلق متصاعد بعد اختطاف متطوع  الدفاع المدني بالسويداء العمل على إصدار تعرفة نقل منصفة.. 20 باص نقل داخلي في طرطوس حلب تستعيد نبضها.. مشاريع تعافٍ وأمل بالعودة الآمنة للمهجرين في مشهد تفاقمها.. تحديات تعيق الاستثمارات في النفايات دخول قافلة مساعدات إغاثية لمحافظة السويداء أول مشروع لصناعة الإسمنت الأبيض في سوريا.. اطلاق مصنع "فيحاء" للاسمنت بعدرا