ثورة أون لاين- د.خلف علي المفتاح: يتوجه ملايين السوريين اليوم إلى صناديق الانتخاب ليمارسوا حقهم وواجبهم الدستوري والوطني باختيار ممثليهم إلى البرلمان الجديد الذي يعلقون عليه آمالاً عريضة، ليكون قاطرة تغيير حقيقي تنقل سورية إلى تعددية حزبية وسياسية ذات طابع نوعي
تقوم على التنوع بدل التشابه والتنافس في البرامج والأفكار والرؤى، بدل التناسخ والتكرار والاجتزاء. وهذا ما يتوقف إلى حد بعيد على طبيعة المناخ السياسي الذي يفرضه الدستور الجديد بروح ومضامين نصوصه والغايات التي قصدها المشرع السوري منها.
إن الوصول إلى برلمان جديد يحقق طموحات السوريين، ويجدد في الحوض السياسي ويغير في قواعد اللعبة السياسية عملية مركبة تبدأ بالمواطن وتنتهي بالمؤسسة ذاتها، وطريقة أدائها وقيامها بمهامها الوطنية والقانونية التي أناطها بها الدستور، وفي التفاصيل يتحمل الناخب السوري الدور الأساسي في تحديد طبيعة وكفاءة ومضمون الناتج الديمقراطي بوضعه في مخبر التحليل السياسي عندما تنطلق عملية الاختيار من عناصر موضوعية يتفق الجميع على محدداتها من الناحية النظرية، وفي ملفات النقاش والحوار والنقد لا تلبث تلك المعيارية أن تصطدم عند قيام الناخب بحسم خياراته بجملة من المؤثرات ذات الطابع الشخصي، هي نتاج ثقافة أهلية يدخل فيها العامل الذاتي أساسياً في عملية الاختيار ما يوقع الناخب بين قوتي شد تصل إلى درجة التحدي الحقيقي ليحسم خياراته التي تتأرجح بين الذات والموضوع.
إن جموعاً غير قليلة من الناخبين بحاجة ماسة إلى المصالحة مع الذات في إطار عملية نقد للذائقة الانتخابية، وضرورة الخروج من أسر الثقافة الانتخابية التقليدية لنكون حقيقة أمام برلمان يحمل ملامح الدستور الجديد للجمهورية العربية السورية.
وفي إطار تفعيل الدور المأمول من المجلس الجديد فلا شك أن ذلك مرتبط إضافة لما تقدم بكفاءة وقدرة الفاعلين الجدد في إعطاء روحٍ جديدة للمجلس العتيد عبر تفعيله وصولاً للمستوى المطلوب، وهذا يتطلب من النواب الذين يجري اختيارهم المعرفة الواسعة والعميقة بمهامه وصلاحياته ودوره كفاعل سياسي وقانوني ورقابي في إطار بنية الدولة، وتحديد ملامح وخط سير المؤسسات التنفيذية وممارسته للدور الرقابي على أدائها والتزامها بالبيان الوزاري الذي تقدمه للمجلس إضافة إلى انسجام ذلك البيان /الخطة/ مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة التي يحدد ملامحها العامة وهويتها السياسية الدستور النافذ.
أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق ويتعلق بطريقة إدارة تلك المؤسسة التشريعية الوطنية، وهو ما يرتب عليها ضرورة الخروج من النمطية التقليدية لأداء المجلس وبالمناسبة هي محط نقد واسع من أكثرية أعضائه أنفسهم قبل غيرهم، وتتعلق أساساً بالآلية التي يتم من خلالها تناول القضايا التي توضع على جدول أعماله -وهنا ومن وجهة نظرنا- وتعزيزاً لدور المجلس من المفيد لجميع القوى السياسية التي استطاعت الوصول للبرلمان الجديد -ومن باب الحرص على قيامه بدوره كاملاً -عدم تقييد ممثليها في المجلس بسقف الحوار والنقد أو التصويت على ما يطرح، انطلاقاً من رؤية حزبية عدا الحالات المتعلقة بالخطوط الاستراتيجية للسياسة العامة للدولة، ولاسيما ما يمس منها المسألة الوطنية وثوابت الموقف السوري والسقوف التي يتفق عليها المجمل الكلي السوري بعيداً عن التحزب السياسي والعصاب الأيديولوجي.
إن مناقشة السياسات الاقتصادية والاجتماعية للسلطة التنفيذية، يجب أن تتحرر من موضوعة الانتماء الحزبي للأعضاء بحيث تكون البوصلة هي مصالح المجتمع الاقتصادية ومقاربتها لعملية التنمية وانسجامها مع مطلب العدالة الاجتماعية وهو ما نص عليه الدستور الجديد، وهذا يوجب أخذه دائماً بعين الاعتبار لما له من انعكاس حقيقي على الفئات الاجتماعية الواسعة، وهي المستهدفة أساساً من عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل قاعدة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
إن حالة التفاؤل التي سادت المجتمع السوري منذ انطلاق العملية الديمقراطية وما قامت به وسائل الإعلام المقروء والمكتوبة والمرئية من تسليط للضوء انطلاقاً من أهمية هذا الاستحقاق الوطني الديمقراطي إضافة إلى عمق التجربة الديمقراطية السورية وأصالتها، ووعي المواطن السوري لدوره في عملية البناء الشامل ولاسيما أن سورية تواجه مؤامرة مركبة تستهدف ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ولعله من نافلة القول: إن من جملة ما يجري استهدافه هو ذلك المسار الإصلاحي الذي يقوده السيد الرئيس بشار الأسد، وهو ما يمثل مخرجاً سلمياً من الأزمة ومحققاً لطموحات السوريين ، كل هذا وغيره يجعلنا ننظر بأمل وثقة كبيرين إلى المستقبل مقروناً بتفاؤل بوصول ذلك المسار إلى أهدافه المتمثلة بإنتاج مؤسسة تشريعية وطنية فاعلة تحاكي طموحات السوريين وسعيهم الحثيث لسورية المتجددة القوية المزدهرة المستقرة الفاعلة في المشهدين الإقليمي والدولي.
إن نجاحنا في تحقيق هذا الهدف عبر المشاركة الشعبية الواسعة، واختيار من يتمثلون عناوين المرحلة رغم كل الظروف التي نعيشها سيشكل رسالة للجميع تعكس أصالة وعراقة وقوة الشعب السوري، وإصراره على الانتصار على هذه المؤامرة الكونية الدنيئة لأنه يبني صموده على قاعدة من الوعي والمعرفة، وهو ما يمنحه مزيداً من القوة والإيمان بالنصر الأكيد.
khalaf.almuftah@gmail.com