مدن سكن عشوائي تفتقر لأبسط متطلبات الحياة الكريمة وعود و قرارات خلبية لم تجد لها طريقا للتنفيذ .. فهل يلمس المواطن حلولا قريبة
ثورة أون لاين – موسى الشماس : السكن العشوائي , مخالفات البناء , نمو الغابات الاسمنتية التي نراها منتشرة في كل أرجاء سورية ومستغلة جملة الظروف الآنية وتراخي الجهات المسؤولة.
أبنية طابقة ( خمس و ست طوابق ) وغرف ومحال شُيدت بين ليلة وضحاها.. حركة العمل لا تهدأ ولا تعرف ليلها من نهارها وورشات البناء في نشاط غير معتاد لم تعرفه منذ زمن.. هذا الواقع العشوائي الذي لا يمكن التغاضي عنه تعدى مرحلة الأحزمة الفقيرة في ضواحي دمشق حتى أصبحنا نرى مدن سكن عشوائي تفتقر لأبسط متطلبات الحياة الكريمة فبالكاد يطلق عليها مسمى سكن.. موجة التشييد والبناء بدأت مع الأزمة وأصبحت الشغل الشاغل لأصحاب النفوس الضعيفة لدرجة بتنا نشهد ارتفاعاً هائلاً في أسعار مواد البناء وندرتها أحياناً ما اضطر القائمين على هذه المشاريع إلى استيراد المواد من محافظات أخرى لأن الموجود لم يعد ملبياً لاحتياجات الواقع الجديد وما يتطلبه من مستلزمات لقيام الأبنية بسرعة هائلة ودون رادع.
العامل هو العملة النادرة
عبرت شريحة العمال أنها بهذه الفترة عوضت سنين البطالة و الفقر ، وأصبح العامل الآن العملة النادرة يضع شروطه ويطلب السعر الذي يرتئيه نتيجة الطلب المتزايد على اليد العاملة، والذي لم نكن نتوقعه تضرر مقاولي البناء من هذه الحركة العمرانية والذين تولوا مشاريع المؤسسة العامة للإسكان لبناء المحاضر، وبدؤوا العمل مستخدمين آلاف العمال لإنجاز هذه المشاريع خلال الفترة المتعاقد عليها، ولكن وبعد فترة ارتفعت أسعار المواد الأولية بشكل كبير إضافةً إلى ارتفاع أسعار المازوت بعد رفع الدعم عنه، وارتفاع تكاليف النقل وأجور العمال ، أضف إلى ذلك تأثير هذا الواقع على قطاع عمالي كامل يضم في مجمله مهناً وحرفاً مختلفة.
ونحن حين نرى الحجم الضخم لمخالفات البناء ( في احصاء للمركز الوطني للاحصاء بلغ عدد البيوت المشيدة بشكل مخالف مليون بيت ) ندرك مقدار التخريب الحاصل فالأمر لم يعد محصوراً بغرفة أو ملحق سكني ليؤوي عائلة فقيرة بل تجاوزه لأبعد من ذلك وأصبحت مشكلة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وأخلاقية تحتاج إلى حل جذري.. حل لمعاناة سكان العشوائيات والتي تبدأ بعدم القدرة على تأمين الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وشبكة هاتف و.. و..و.. وقد تنتهي بانهيار المسكن، وكثيراً ما كنا نسمع عن عائلات شُردت نتيجة التصدعات والانهيارات الحاصلة في منازلها وأضحت بلا مأوى ناهيك عن حالة القبح المستشري من هذه الأبنية وتخريب المظهر الحضاري والعمراني للمدن والإساءة أيضاً للمواطنين السوريين الذين يعيشون في بيوت تفتقر إلى أبسط الشروط الفنية والصحية.. وفي واقع الحال لا بد من إيجاد طريق لإيقاف هذا الامتداد الأفقي للعشوائيات والقدرة على ضبطها وتخديمها والأهم من ذلك الرقابة على عمل الوحدات الإدارية.
أين هي المشكلة
المشكلة ليست بالقوانين ولا بالمراسيم، ففي إطار بحث الحكومة عن حل هذه الظاهرة أوردت المرسوم التشريعي رقم 59 للعام 2008 والذي ينص على أن جميع المخالفات وإشادة بناء من دون ترخيص أو إشادة أعمال بناء مخالفة للترخيص الممنوح عند ضبطها يتم اتخاذ إجراءات متمثلة بإزالة الأبنية المخالفة ومخالفات البناء كافة ومهما كان نوعها بالهدم، وترحل الأنقاض على نفقة من كانت المخالفة بحقه، وكذلك إحالة الضبط إلى القضاء لتقوم النيابة العامة بتحريك الدعوى العامة بجرم مخالفة بناء، وتتراوح العقوبات بين مالية وعقوبة السجن حسب حجم المخالفة.
ونرى بعد كل هذا اختراق بعض المؤسسات والوحدات الإدارية لهذه المراسيم و أن عدد من رؤساء البلديات ومجالس المدن تم إعفاؤهم لأسباب تتعلق بالفساد والإهمال وعدم تنفيذ القوانين وبشراكة متعهدي البناء الذين حرم بعضهم من مشاريع القطاع العام وبعضهم متخصصون في مشاريع البنى التحتية من صرف صحي ومياه وتجديد شبكات وتعبيد، والذين وجدوا وللأسف في كثير من الأحيان من يدافع عنهم.
فقد صار الأمر الآن فرصة لتجار البناء لجني ثروات وتحقيق مكاسب مالية وبعض المتعهدين من أصحاب النفوس الضعيفة والذين لا يتاجرون فقط بأموال الناس بقدر ما يتاجرون بأرواحهم ما بدد مساعي الحكومة بإنعاش القطاع السكني، وقد أكدت وزارة الإدارة المحلية مؤخراً ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية لمنع انتشار الأبنية المخالفة وطلبت من جميع الوحدات الإدارية والبلديات في المحافظات تطبيق التعليمات التنفيذية وإيقاف جميع التجاوزات تحت طائلة المسؤولية.
كل هذا ولم تتوقف حركة البناء العشوائي، وبررت بعض البلديات أنها قامت بضبط بعض المخالفات ولكنها لم تقم بالهدم لئلا تخلق احتكاكاً سلبياً بين المواطنين وعناصر الشرطة.. وبالمحصلة فهي مشكلة تحتاج إلى حل، ليس فقط بهدم العشوائيات وإنما بتأمين سكن للمواطن.. سكن يستطيع المواطن الحصول عليه!
محاولات أخرى..
أكد رئيس المكتب التنفيذي في محافظة ريف دمشق سمير عصفور أنه تم خلال الفترة الماضية هدم أكثر من 850 مخالفة بناء وأن القانون لن يستثني أحداً، وبيّن أن البلديات ترسل تقارير دورية حول ذلك ولن يتساهلوا مع كل من سولت له نفسه التراخي واستغلال هذه الظروف، وأن المحافظة جادة في متابعة التجاوزات وحصرها لإزالتها تباعاً
أفكار كثيرة مثلت محاولات للانتهاء من أزمة السكن العشوائي ومنها الجمعيات السكنية التعاونية، وفي هذا المجال أقر مجلس الوزراء مشروع قانون التعاون السكني الجديد وإنهاء العمل بالقانون رقم 17 لعام 2007 ويهدف مشروع القانون إلى تحسين بيئة العمل في قطاع التعاون السكني، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص لذوي الدخل المحدود بما يتلائم مع دور التعاون السكني في المرحلة المقبلة، وفصل جمعيات السكن والاصطياف للتركيز على المسكن الدائم الموجه لذوي الدخل المحدود والذي يحظى باهتمام الدولة ورعايتها.
وعلى ذمتهم سيسهم هذا القانون بتأمين الشقق السكنية بأسعار مرضية ومقبولة قد تصل إلى حدود التكلفة، ويعد المشروع بتأسيس صناديق للإقراض السكني لمدة طويلة تصل إلى 25 سنة وبنسب منخفضة من الفوائد، وإمكانية تأمين الأراضي للجمعيات السكنية للقطاعين العام والخاص بعد سنوات وسنوات من الانتظار إلى جانب مجموعة من المزايا التي سوف تدعم القطاع السكني، فغياب المخططات التنظيمية في أغلبية المحافظات والتلكؤ في إنجازها ساعد في تفاقم واتساع مساحة السكن العشوائي وساهم أيضاً في التعدي على أملاك الدولة وندرة الأراضي والمقاسم التي يمكن تخصيص الجمعيات السكنية بها.
وفي العموم تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة، فتأخير صدور المخططات التنظيمية وقصور التخطيط العمراني، وعدم تخصيص أراضٍ صالحة للبناء وتساهل الوحدات الإدارية والبلديات، ومساهمة تجار الأراضي والسماسرة في تشجيع السكن المخالف كلها تساهم في تأخير عملية الإصلاح.
معوقات التطوير
رأى الدكتور محمد سامر حلال كلية الاقتصاد جامعة دمشق أن المعوقات كثيرة من أهمها فقدان الثقة بين المطور والجهات المختصة والبنوك الممولة بسبب عدم وجود ضوابط واضحة لتنظيم سوق العقار، ويتابع أن الجمعيات السكنية لها دور أساسي في تأمين السكن ذي التكلفة المنخفضة مؤكداً أن الشركات العقارية مهتمة بدخول مجال إعادة تطوير مناطق العشوائيات إن توفر لها المدخل الصحيح.
وأما الركود الدائم في قطاع العقارات فقد رده الدكتور حلال للارتباط الكبير بين هذا السوق وبالوضع الاقتصادي العام، فالحركة الاقتصادية البطيئة لا تساعد على نمو قطاع العقارات، ولا تساعد القطاع المصرفي والائتماني في تسهيل القروض، وأشار إلى ضعف قدرة التدخل الحكومي، ورد ذلك إلى آلية العرض والطلب.
ويؤكد د.حلال أهمية حل المشكلات الاقتصادية الاجتماعية كحزمة واحدة وذلك ضمن إطار الاقتصاد الكلي: «إن حل أي مشكلة اقتصادية اجتماعية لا يتم سوى عبر حل المشكلات الهيكلية للاقتصاد وبالتالي فإن أي تنشيط للاقتصاد بشكل سليم كفيل بحد ذاته بحل العديد من المشكلات المرتبطة بذلك وعلى الأخص مستوى الدخل وفرص الأعمال، وما حدث حتى الآن من تطور ودخول شركات التطوير العقاري والاستثمارات والشركات العقارية الكبرى لم يكن إلا دخولاً في المضاربات لأن معظم المشاريع التي تم تنفيذها من قبل هذه الشركات يمكن تصنيفها في خانة المضاربات العقارية، وهي بالأصل كانت معنية بالسكن غير الشعبي بينما ما نحتاج إليه في سورية هو السكن الشعبي الرخيص» ويضيف د.حلال : «نحن نحتاج إلى المستثمر والمطور العقاري الذي يهتم بالسكن المتوسط والعادي والشعبي وما شاهدناه في سوق العقارات هو خلاف ذلك حتى الآن».
وعن حلول مشكلة العقارات يوضح حلال «الحل الوحيد هو مساحات منظمة مخدمة بالبنية التحتية بسعر رمزي يضاف عليه تكلفة البناء وهامش ربح محدد للمطور يسوق من خلاله منتجه ليحل مكان الجمعيات السكنية التي يمارس بعض مجالس إداراتها الإتجار بالعقارات والإثراء على حساب المساهمين، وإن تجربة الجمعيات السكنية لم تعطِ النتائج التي أوجدت من أجلها، وبانتظار إعلان المخطط على الهيكل العام وتحديد مناطق التنمية ومناطق التوسع لتأمين مجمعات سكنية لكافة فئات المواطنين حسب إمكاناتهم سيحفز المطورين على تلبية الطلب وفق معطيات السوق مع الالتزام بقوانين العدالة الاجتماعية التي يجب أن تكون محوراً ومنهجاً لكافة النشاطات وأهمها نشاط التطوير العقاري».
والعديد من الخبراء الاقتصاديين في القطاع العقاري لا يجدون أي بوادر في تحريك أسواق العقارات على المدى القريب لأن المطلوب لتحريك هذه الأسواق هو أن يصل الهبوط في الأسعار إلى نحو أكثر من 25%، والأسعار الحالية والعرض والطلب لا توحي بأن هناك من نية لدى الشركات وأصحاب العقارات أن يتخلوا عن هامش ربحهم الكبير من أجل إطلاق عمليات البيع والشراء في هذا القطاع، ولذلك بات من الضروري المزيد من التدخل الحكومي لحلحلة الأسواق وذلك ممكن من خلال تقديم كل التسهيلات الممكنة سواء عن طريق البنوك والمصارف العامة أم الخاصة لأن هذه البنوك والمصارف لديها مخاوف من عمليات الإقراض على المدى البعيد وأغلبها تقوم باتباع سياسة القروض المتوسطة والقريبة التي يستفيد منها غالباً فئات قليلة من المواطنين ممن لديهم دخول إضافية لتغطية مثل هذه القروض، وما يسمى بالقرض العقاري والتجاري والميسر وغيره لم تكن ميسرة لأصحاب الدخل المحدود لأن رواتبهم لا تقوى على سحب مثل هذه القروض التي تتجاوز بكثير رواتبهم المتآكلة أصلاً.
وعلى أرض الواقع فإن قصور التمويل العقاري عن تغطية حجم الطلب الهائل على السكن يتضح بما هو مخصص لذوي الدخل المحدود حيث لا يستطيع الموظف طلب قرض عقاري يفوق المليون ليرة، وهذا المبلغ لا يغطي 50% من قيمة المسكن لأنه يترتب عليه الالتزام لمدة عشرة أعوام على الأقل بقسط شهري لا يقل عن 15 ألف ليرة.. أي بما يساوي راتبه، فما الحل إذاً؟
وأين المواطن السوري من كل ذلك؟ نأمل مستقبلاً أن تكون هناك سلة حلول متكاملة لمشكلة السكن العشوائي الذي لم نر خلال السنوات الاخيرة من تظهير هذه المشكلة الا سيلا من الوعود و القرارات و الخلبية التي لم تجد لها أي طريق للتنفيذ فهل نلمس رغبة و قرارا جديا بالحل في القريب العاجل.