لجينة سلامة:
لكلّ منّا طريقته في التعبير عن مشاعره سواء كانت سعيدة أو غير ذلك .ولكلّ منّا أسلوبه في طرح مكنوناته ودواخله ونوازعه خاصة إذا كان الأمر متعلقاً بالأحداث المفجعة والمفاجئة مثل الموت والكوارث الطبيعية.
فالضرر النفسي الواقع على الأطفال أشد إيلاماً من الجسدي ،لاسيما وأن كلّ الأحاديث اليوم عن الزلزال وما أحدثه من دمار في المباني والشوارع والأجساد البشرية وماسببه من رضوض في النفوس وعلى الأخص عند الأطفال الذين كانوا يغطّون بنومهم، ترافقهم أحلامهم الوردية في أيام آمنة يتلقون العلم في المدارس ويلعبون في ساحاتها التي كانت تتسع لطفولتهم وضحكاتهم بعيداً عن الهلع الذي استفاقوا عليه ذلك اليوم .
وقد تكون مسابقة «الرسم عن الزلزال « التي بادرت إليها الدكتورة هند حيدر كنوع من الدعم النفسي للمتضررين من الزلزال ،إحدى الأساليب الناجعة ليطلق الطفل العنان لمشاعره فيبوح بماتسببت به هذه الكارثة من رضوض وأذيات جسدية وأخرى نفسية، قد تكون أقسى وأكثر ضرراً وإيلاماً وتترك ندوباً في النفس ليس من السهولة بمكان تجاوزها أو معالجتها وقد تحتاج وقتاً طويلاً للشفاء .
هذا ما أكدت عليه الدكتورة هند حيدر عندما نوّهت إلى أن العيون رأت والكاميرات رصدت صور الدمار والخراب جراء حدوث الزلزال لكنّها لم تستطع أن ترصد أو تسجل ماحدث في النفوس وحجم الهلع والألم من جراء تداعيات الزلزال الذي أصاب الجميع دون استثناء بالقلق والصداع والخوف والذعر والكوابيس الليلية وفقدان الأمل بالحياة وردات الفعل التي تختلف من شخص لأخر . فالأطفال كما توضّح د.حيدر هم أكثر عرضة للإصابة بتوترات نفسية عند وقوع الزلازل، إذ يصعب عليهم استيعاب ما يجري، ويمكن أن يبدي من هم دون الخمس سنوات، اضطراباً في السلوكيات كعدم التحكمّ في التبوّل، والنوم إلى جانب الأهل. كما يبدي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 12 سنة عوارض جسدية تعبّر عن آلام نفسية كأوجاع البطن والرأس، والتعلّق الشديد بالأهل، ويميل المراهقون للانطواء..
الرسم أحد طرق العلاج
وعن الهدف من «مسابقة الزلزال » تشير د.حيدر إلى أن إحدى طرق العلاج النفسي هي العلاج باللعب ومنها الرسم .
حيث يرسم الطفل الذي يرفض الكلام أفكاره واحتياجاته ومخاوفه، فيخلق هذا النوع من العلاج مساحة يشعر فيها بالراحة لكونه على طبيعته بدلاً من الأشكال التقليدية الأخرى للعلاج النفسي،ويسمح للطفل بتولي مسؤولية عملية العلاج.
كما يساعد الأطفال على فهم عواطفهم،أو على بناء مهارات الاتصال والمهارات الاجتماعية مع مرور الوقت.
وعن المسابقة التي أطلقتها تقول :
بعد حدوث الزلزال حاولنا مساعدة الأطفال عن طرح مسابقة عن هذه الكارثة الطبيعية لإعطائهم فرصة التعبير عن مشاعرهم سواء بالرسم أو الكتابة،أو إلقاء القصائد والتمثيل.ولعل أهم مايميز هذا النشاط ، هو قدرة الأطفال على التعبير وخاصة عند البعض ممن لا يستطيع أن يبوح بما أحدثه الزلزال من وجع وشرخ في داخله وتظل تلك المشاعر حبيسة روحه.
وهذا مالمسناه من خلال التجاوب مع المسابقة الذي كان واسعاً وفعّالاً جداً، وشارك فيها الأطفال على امتداد الوطن
ومن معظم الأقطار العربية.
دعماً لأطفال سورية
وذكرت حيدر أنه تمّ استقبال العديد من الأطفال في مكتبها، وتحدّث كلّ طفل عن قصّته مع الزلزال ومخاوفه.. ثمّ لعبنا معاً ماخلق جواً لطيفاً وحميمياً ومريحاً للأطفال والأهالي .
وركزت د.حيدر على ردات فعل الأمهات تجاه مشاعر الخوف والقلق والذعر عند أطفالهن . وكم تفاجأن بالأقوال والمشاعر التي جاءت على ألسنة أبنائهن وفي إنتاجهم الفني الصادق والعفوي الذي ترجموه بريشاتهم على الورق.
الكل بحاجة للدعم
وبالعموم فإن الحاجة ماسة جداً كباراً وصغاراً للدعم النفسي جرّاء حدوث الزلزال كما توضح الدكتورة حيدر
من خلال توفير الشعور بالأمان للمتضررين، وتأمين الحاجات الأساسية لهم من مأوى وغذاء والابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي لتفادي مشاهد الركام والضحايا، والتأكيد على أنّ الشعور بالخوف الشديد والهلع والمشاعر المختلطة في مثل هذه المواقف أمر طبيعي، وأنها سوف تقل تدريجياً بمرور الوقت، ما يستدعي العمل قدر الإمكان على عدم متابعة الأخبار والإشاعات ومشاهدة الصور والفيديوهات المتعلقة بالزلزال على وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفاز وخاصّة للأطفال ، والاكتفاء بمعرفة الأخبار الهامة من مصادر موثوقة. بالإضافة إلى أهمية المكوث مع الأهل والأصدقاء أو البقاء على اتصال بهم والتحدث معهم عما حدث لتقليل القلق والخوف .
وكذلك الحفاظ على الهدوء قدر الإمكان و تزويد الأطفال بالمعلومات الأساسية الدقيقة التي يحتاجونها دون الدخول بالتفاصيل، والإشارة إلى دور رجال الدفاع المدني والأبطال الذين يعملون للحفاظ على سلامة الناس أثناء وبعد وقوع كارثة طبيعية مثل الزلزال وغيره .ومن الأهمية بمكان تنمية الجانب الديني والأخلاقي للسيطرة على المخاوف وزرع الأمل في النفوس أن الحياة مستمرة أياً تكن الظروف .
بطاقة تعريف
الدكتورة هند حيدرمن مواليد جبلة محافظة اللاذقية حاصلة على إجازة في التربية و علم النفس.
وسفيرة لمنظمة سلسلة السلام العالمي لمدة عامين(2022-2020.).
لها بصمتها في عالم الطفولة لطالما أحبت الأطفال، و اهتمت بأساليب التربية وفنونها واضطراب طيف التوحد وصعوبات التعلم و التحقت بالعديد من الدورات التدريبية الميدانية والالكترونية في هذا المجال، وكتبت العديد من قصص الأطفال.
و في 20 نيسان من عام 2018 أنشات مجموعة (احكيلي احكيلي )التطوعية للاطفال . و البداية كانت عبر نشر قصص للأطفال مجاناً من تأليفها على الانترنت وكافة وسائل التواصل الاجتماعي ولاقت رواجاً كبيراً وأصبح جمهور (احكيلي احكيلي) من جميع أنحاء الوطن العربي والعالم .ثم أصدرت مجلة الكترونية باسم «مجلة احكيلي احكيلي للأطفال» فيها قصص ومعلومات عامة ومقالات تربوية ومشاركات من الأطفال وهي موجودة على الموقع بشكل مجاني.
وتعمل مابوسعها للمساهمة في بناء جيل قوي متماسك مثقف واع ليزهر ربيعاً في سورية الحبيبة ويتحدى الصعوبات والظروف على اختلاف شدّتها .