رنا بدري سلوم:
حين يغضب البحرُ والطبيعة فلا قوة تقف أمامهم، فبعد الصحوة من سكرة الموت والدمار المروّع، يغدو الوقت كفيلاً بأن يدلي الإنسان المبدع ببناتِ أفكاره شاعراً كان أم مطرباً أم مسرحياً، فليس بالأمر السهل أن تولد الأفكار على خشبة المسرح، فكرة تستقى من غضب الطبيعة حكايا وقصصاً تراجيدية مؤثرة تخلدها خشبة أبي الفنون، أسوة بقضايا الحرب والهجرة والحبّ والغربة والموت الذي لوّن حبر شعرنا وكلماتنا، وحدهُ الوطن ومعاناته كان ولا يزال الجوهر الأساسي لمضامين الفنون التي يقدمها الفنانون والمسرحيون والكتّاب والشعراء، لوصف المأساة التي تجوهر ما بداخلنا لنعطي أجمل ما لدينا بطريقة فنية مبدعة وخلاقة يخلقها الوقت في زمان ومكان مناسبين.
حتى تنضج الأفكار
وفي الحديث مع الكاتب المسرحي والناقد والزميل جوان جان يوضح أن تفاعل الآداب والفنون – ومن ضمنها المسرح- مع الحدث الكارثي الأخير المتمثل بالزلزال الذي ضرب بعضاً من الأراضي السورية، سيجد صداه عند كتّاب مسرحنا من خلال نصوص سيبدعونها، لكن هذا سيتطلب وقتاً بهدف ضمان جودة العمل وظهوره بصورة مثلى، ولابدّ أن يشكل الزلزال مناسبة للكتّاب المسرحيين كي يطرحوا في أعمالهم قضايا اجتماعية واقتصادية وإنسانية مرتبطة بتداعيات الزلزال بشكل مباشر أو غير مباشر، مؤكداً أن تأثر الفنون والآداب بالأحداث المفصلية التي تشكّل منعطفات في تاريخ الشعوب لا يمكن أن يكون واحداً في سرعة تجاوبه مع هذه الأحداث، ففنون الشعر والغناء على سبيل المثال تبدو أكثر حيوية في سرعة تفاعلها بالمقارنة مع الرواية والمسرح والدراما التلفزيونية باعتبار أن الشعر يقوم على جهود فرد واحد سرعان ما تستفز قريحته وينطلق قلمه ليكتب عن الحدث والمعاناة التي يسبّبها، وكذلك الأمر بالنسبة للغناء حيث تتضافر جهود كاتب الأغنية والملحن والمغنّي لتقدم عملاً فنياً مواكِباً للحدث من خلال ألحان سريعة لا تحتاج لجهود جبارة كي تظهر إلى العلن، وبالفعل شهدت الأيام التالية للزلزال ظهور أكثر من عمل غنائي ضمن هذا الإطار.
عمل غنيّ درامياً
وبين جان أنه في المسرح يبدو الأمر مختلفاً، خاصة وأن العمل المسرحي الجيد والمتقن يتطلب العثور على حبكة درامية قوية عند كاتب يتمتع بخيال خصب كي لا يكون عمله المسرحي مجرد عمل توثيقي فقير درامياً، فإن أنجز الكاتب عمله بسرعة قياسية قدر الإمكان عليه أن ينتظر حتى يظهر نصّه في كتاب أو يعجب به مخرج ويعمل على نقله إلى خشبة المسرح، وفي الحالتين ستمضي شهور قبل أن يرى النص المسرحي النور، وهو أمر طبيعي بسبب الإجراءات التقنية المرافقة سواء لطباعة الكتّاب أو لإنتاج عرض مسرحي.
الإنسان أولاً وأخيراً
يوافقه الرأي المخرج المسرحي مأمون الخطيب في أن العمل المسرحي يلزمه الوقت الكافي أكثر من القصيدة والخاطرة، آملاً من الكتاب أن يلتفتوا إلى الأثر الإنساني الذي تخلفه الكارثة بعد حدوثها، فالقضية ليست انفعالية ولا آنية، بل يلزمها المعالجة الجيدة والدراما المؤثرة كي تكون هذه المواضيع جديرة بالطرح.
الخطيب قال: أننا كمسرحيين ننظر إلى هذه الكارثة الطبيعية على أنها كارثة إنسانية بالمقام الأول، كارثة متمثلة بالموت والفقدان والتهجير من المكان الآمن الذي كان يحتوي آلاماً إنسانية كبيرة، بعد عقد من الحرب وآلامها تأتينا هذه الكارثة لتكمل ما بقي من أمل بالبدء بحياة جديدة.
التأني في صياغة النص
لا يعتقد الخطيب أن المسرحيين يستقون مواضيعهم فورياً من هذه الكارثة، فمن المفترض كما قال :عليهم أن يتمهلوا في انتقاء القصص المهمة والمؤلمة التي حدثت ومن ثم صياغتها في قالب مسرحي جيد، مبيناً أن الحرب أفرزت مواضيع كثيرة للمسرح وقد اشتغل على بعضها، أما كارثة الزلزال فلم يحن الوقت بعد لتقصي المواضيع الدرامية، فكان جلّ همنا هو الجانب الإنساني وهو إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومن ثم نلتفت لطرح آثار الزلزال كمأساة إنسانية وخاصة على الطبقة المجتمعية الفقيرة المتضررة التي خسرت كلّ شيء وهي التي بالكاد كانت تملك شيئاً.