بعد شهر من كارثة الزلزال ما زلنا ننتظر المساعدات الإنسانية القادمة من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وفق معاييرها ومعاييرعمل منظماتها ذات العلاقة بالشأن الإنساني وعمليات الإغاثة الدولية المفترضة والتي تسمو فوق المواقف السياسية ، وهو ما نصّت عليه اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولان الملحقان والتي تفرض على المجتمع الدولي تقديم الإعانات السريعة ضمن إجراءات يبدؤها الأمين العام للأمم المتحدة ويقود ويشرف على تنفيذها بعد دعوة مجلس الأمن للانعقاد استجابة لإعلان الحكومة التي تعرض بلدها للنكبة الزلزالية منطقة منكوبة وأن الحياة فيها خرجت عن مسارها الطبيعي ، الأمر الذي ينعكس على الوضع الدولي ويتهدد الأمن والسلام والاستقرار في العالم ، وهو الأمر الذي لم يحصل حتى اليوم ما يعطي دليلاً مؤكداً أن سورية ما زالت بمنطقة الاستهداف السياسي وأن الزلزال لم يغيّر في المواقف المعادية وبالتالي فإن التعامل مع الوضع الإنساني الكارثي الذي أصاب سورية غير موجود في أجندة الغرب الاستعماري ولا في وارد أو ذهن الساسة الأميركيين.
وهنا نبدأ بالتفويض أو البيان الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركية بعد أربعة أيام من وقوع الزلزال الذي ضرب كلّ من سورية وتركيا والذي ادعى في وسائل الإعلام السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى سورية لمدة مئة وثمانين يوماً وذلك استجابة للظروف الإنسانية الصعبة الناجمة عن الكارثة الطبيعية ، ولكن البيان ذاته ركز على منع التعامل مع الشخصيات الطبيعية أو الاعتبارية الموضوعة على قائمة العقوبات وفق قانون قيصر سيىء السمعة ، بمعنى أن لا إمكانية لتحويل المساعدات المالية عبر التحويلات المصرفية ، الأمر الذي يزيد الضغط والحصارعملياً ولا يقدّم مساعدة كما يبدو من الرواية الإعلامية التي قدّمتها واشنطن ، وما يؤكد هذه الرؤية النتائج اللاحقة والمتمثلة في عدم إرسال مساعدات أوروبية أو أميركية ومنظمات الإغاثة الإنسانية.
وبعيداً عن هذا الجانب ، فإن الدور الأميركي الضاغط بدا واضحاً في محاولات التأثير على الدول العربية والدول الصديقة التي تحركت لتقديم الدعم الإغاثي واتخذت مواقف سياسية داعية أو متطلعة لرفع العقوبات والحصار عن سورية، فقد بدأت قوافل المساعدات تتواصل من دول كثيرة بالتوازي مع مواقف شعبية داعمة أزعجت الولايات المتحدة الأميركية ومن يقف خلفها ، فقد كان المنتظر وصول العديد من وزراء الخارجية وغيرهم من السياسيين إلى دمشق كخطوة للمطالبة بوقف العدوان ورفع الحصار الاقتصادي المفروض على ألشعب السوري، إلا أن تلك الضغوط جعلت تلك الزيارات في حدودها الدنيا خشية تزايدها وتحولها إلى حالة إسقاط واقعي للحظر والحصار والعقوبات الظالمة المفروضة، فمشهد زيارة البرلمانيين العرب بعد اجتماعهم في بغداد وزيارة وزراء خارجية كلّ من الإمارات والأردن ومصر العربية ، إضافة إلى المواقف العربية الداعمة، كل ذلك أثار حفيظة إدارات البغي والعدوان في واشنطن وغيرها لإرسال التحذيرات والتهديد لحكومات عربية مطالبة إياها بعدم التمادي والذهاب في تحسين العلاقات إلى حدود أبعد من دور المساعدات المطلوبة فيما يتعلق بالكارثة وملحقاتها وبحيث تبقى تلك العلاقات محصورة في هذا الإطار.
ويبقى ما بين الواقع والطموح وما بين الراهن والمراد عامل الرغبة والإرادة، فالحكومات التي حسمت أمرها ذهبت في علاقتها مع سورية كما تقتضي مصلحتها المستندة لتاريخ ومنافع متبادلة غير عابئة بتلك الضغوط ، لتقدم بذلك الدليل القوي على استقلالية قرارها في تحقيق مصالحها، تلك المصالح التي يمكن تحقيقها بصورة أكبر في حال تضافر الجهود وتوحيدها في موقف موحد واحد يرفض الضغوط الأميركية والخارجية كلها ويؤكد على دعم سورية ومساعدتها في تلبية احتياجاتها الأساسية لإعادة بناء ما دمره الزلزال وذلك يمثل إسقاطاً للإجراءات غير الشرعية أحادية الجانب التي فرضتها واشنطن تحت مسميات كاذبة ، ويعيد القوة للموقف العربي الموحد ويرفع مخاوف الضغوط عن الحكومات العربية ، باعتبار الموقف الموحد القوة الكبرى التي لا تقوى عليها أي قوة غربية.