سعاد زاهر:
قد نكسر، وتتناثر القطع أينما اتجهنا، وقد نخسر، ولكن المهم أن نعيد تجميع القطع ولصقها، ونحن ننهض من جديد…
ليست نكبة وحيدة التي حلت بنا، بل نكبات متتالية…
اليوم ونحن ننفض ركام كارثة الزلزال، نتطلع إلى تعاطف ثقافي يترافق مع المنحى الإنساني.
الكاتب الفلسطيني أسامة مرة، الذي لطالما تلمست في أحاديثه العميقة، وثقافته الواسعة معنى أن تفقد أرضك، أن تبحث طيلة الوقت عن انتماء يشبع الانتماء إلى وطن يسكنك حتى لو كنت بعيداً…
في أوقات المحن لم يعد للثقافة لون واحد، يقول الكاتب أسامة، تندمج مختلف الأفكار التي نتجت عن الكارثة لتولد ثقافة جديدة من وحيها، تقينا النتائج وتعيننا على فهم الأسباب بدءاً من المنظور الديني الذي يحض على أن الإنسان السوي هو الذي يحب الخير لذويه وأقربائه وأصدقائه، كما يحب لنفسه.
على مستوى كوارث فردية يتم تعزيز القواسم المشتركة بين البشر، كما حدث لدى غرق الطفل ريان، أو عندما غرق الطفل المغربي في البئر، العالم كله انتظر ما الذي سيحدث معه…؟
فكيف إذا كانت كارثة كالتي تعيشها سورية اليوم جراء زلزال مدمر ضرب البلاد في وقت حرج للغاية، ما عشناه من حالة اندفاع للتطوع سواء من أبناء البلد، أو من الدول العربية أو المؤسسات الإنسانية التي تلهفت لتساعد السوريين في محنتهم، جميعها مبادرات تعزز المفهوم الإنساني، والتكاتف السكاني.
والأهم ما عاشته سورية من نداءات على مختلف المستويات المحلية والإقليمية لكسر الحصار لأسباب إنسانية، أيضاً، نداءات ستستمر مع استمرار تداعيات الكارثة بندباتها المتعددة المستويات والتي لم تقف عند حد معين.
لقد طالت الكارثة أكثر من مستوى الأمر الذي يجعلنا نذهب إلى معطى ثقافي جديد مختلف عن المحدودية التي نفكر بها عادة، في هذه الأوقات لابد من أن نتطلع إلى ثقافة عمرانية تنطلق من ضمير مهني فالمهندس الذي يعرف أن هناك فالقاً يتيح إمكانية حدوث زلزال يتوجب عليه إتقان عمله، لا يضير أن يطلع على تجارب بلدان عانوا من الزلزال والاستفادة من تجربتهم، ففي اليابان مثلاً رغم أنها منطقة زلزال طريقة البناء تتيح للأبنية الصمود الأمر الذي يقلل أيضاً من عدد الضحايا.
من هنا أيضاً نذهب إلى منحى مكافحة الغش التجاري، فالمتعهد أو المقاول الذي يبني عليه أن يتمسك بثقافة ووعي المنجز العمراني، دراسة أنواع جديدة للإسمنت، للشكل المعماري، كي يكون أقوى في وجه الزلزال…
فيما يتعلق بالحقائق الكونية يرى الكاتب أنه لم يعد بإمكاننا تجاهلها الأمر الذي يحتم التفكير حتى بطريقة البناء بحيث يكون أفقياً بدلاً من عمودياً، خاصة مع توفر مساحات واسعة في البلاد.
نظريات جديدة نعيشها يومياً وسورية تنفض عنها ركام الكارثة…
مثلاً سلوك الحيوانات أثناء الكوارث، بالتأكيد دراسته تعطي دلالة لفهم الظاهرة، إن أدق تفصيل له علاقة بالظاهرة الطبيعية نحتاج لدراسته من قبل علماء النفس والاجتماع، ومن قبل العلماء حيث إن الكوارث تحفزهم لدراستها كي يتمكنوا من تلافيها، ولمعرفة كيفية التعاطي معها ومع نتائجها….
أما كيف سيتعاطى المبدعون في شتى اختصاصاتهم مع الزلزال فهو أمر يعود الى التأثر الفردي، سيختلف التعاطي مع الكارثة من قبل الروائي أو الرسام، وحتى الإعلام سيختلف تعاطي كل فرد وفقاً لمنظوره الشخصي…بعضهم سوف يتطرق إلى مأساة الناس الفردية، بعضهم إلى تغيير مفهوم العائلة من حيث تعاطيها مع الفراق، مع عدد أفرادها، طبيعة أثاث المنزل، قد يحرض الإعلام على مفهوم التقشف وعدم تكديس كل هذا الأثاث…
دون أن ننسى كما يقول ” أسامة مرة” قوة المصورين والصورة، حيث إن بعض المشاهد والفيديوهات رصدت وقائع الزلزال كان لها أثر كبير في كل هذا التعاطف والتعاضد الإنساني..
أخيراً يؤكد الكاتب: أنه لا يمكن إلا أن يكون الكاتب منخرطاً بالعمق في قضايا مجتمعه، إنه ينزف إبداعاً مع كل هزة يتعرض لها وطنه.