الثورة-يمن سليمان عباس:
تدمر معجزة الحضارة والتاريخ وزهرة المدائن كل يوم يكتشف فيها الباحثون شيئا جديدا ..
النقوش التدمرية شغلت الباحثين لعقود من الزمن ومن هؤلاء العرب وغير العرب .. وصدرت عشرات الكتب والدراسات عنها..كان آخرها ما صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن “المشروع الوطني للترجمة” كتاب (النقوش في مدينة تدمر… رحلة في كتابات مدينة تدمر القديمة)، تأليف: خالد الأسعد – جان باتيست يون بالتعاون مع تيبو فورنييه، ترجمة: د. ريم شامية.
هذا الكتاب الذي يتوجه إلى المؤرخين كما إلى الطلاب وهواة علم الآثار، سيقودهم حتماً في طريق متنوع المحطات ما بين الآثار والنقوش التي تمت ترجمتها والحديث عنها في السياق الذي وردت فيه. كما سيتيح لهم التعرّف على أنواع شتى من النصوص التي تدل على نشاط المدينة السياسي والتجاري، كما على وجود روما في هذه المنطقة. وبذلك يسلط الضوء على المكانة الحقيقية للمدينة في تاريخ الشرق الأوسط من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرون الوسطى. يتطرق أيضاً إلى استمرارية الحياة في تدمر بروعة مواقعها وجلال آثارها ومدافنها الشهيرة التي لا تقل شهرة عن ملكتها زنوبيا، وبقيت خالدة بآثارها العريقة. .وقبل هذا الكتاب هناك دراسات مهمة توقفت عند النقوش التدمرية التي بلغت حصيلة ما اكتشف منها حتى الآن حسب الدراسات ما يزيد عن ثلاثة آلاف نقش كتابي مدوّن على مواد مختلفة (تماثيل، مذابح نذرية، عتبات وأعمدة المعابد، ألواح حجرية، شواهد قبور). وتعد هذه النقوش السجل التاريخي والحضاري لتدمر، وقد دونت في مناسبات مختلفة ولأغراض متعددة، ويمكن تصنيفها ب:
1.النقوش التكريمية: «التشريفية» وقد دوّن هذا النوع من النقوش تكريماً لزعيم عشيرة أو رجل من علية القوم، ساهم بهبات كثيرة في بناء معابد المدينة ومرافقها، لذلك كان لابدّ من نحت تمثال يمثله مرفق بنصّ يخلّد اسمه ويذكر عطاياه، وكان يوضع التمثال في الساحات العامة أو في أروقة البلد.
2.النقوش القبورية: وقد دوّنت على تماثيل نصفية، وهي تصوّر مشهداً عائلياً في وليمة جنائزية ذات طابع طقسي أو رمزي، وألواح وشواهد وواجهات التوابيت والسرر الجنائزية. تتميز المنحوتات الجنائزية بذكر أصحابها كاملة، ثم يضاف إليها أعمال الموتى أو التعريف بهم وتاريخ بناء المدفن للعائلة.
3.النقش القانوي المالي: وهو ما يعرف بـ «نقش التعرفة الجمركية» وهو من أطول النقوش التدمرية وأغناها من حيث المعاني والبناء اللغوي.
4.النقوش النذرية: وتعدّ هذه المجموعة الأطول والأكثر تنوّعاً من حيث الأساليب التعبيرية والصيغ النحوية، وتلقي الضوء على أكثر الجوانب أهمية في تاريخ الإنسان المتمثل في الجانب الروحي الذي يحدّد علاقة العابد بالمعبود وطبيعة هذه العلاقة.
تساعد دراسة النقوش النذرية في معرفة مجمع الآلهة في تدمر ابتداء من الآلهة المحليين إلى الآلهة المهاجر إليها مع الجاليات المختلفة التي اتخذت من تدمر مقرّاً لها، وكان لابد في هذه الحالة من بناء دور العبادة كي يلجأ إليها المتعبدون لتقديم الولاء والطاعة لآلهتهم.
إن الدارس كما يقول علي صقر أحمد للنصوص التدمرية دراسة لغوية مقارنة يلمس بوضوح صلة القربى القويّة بين التدمرية والسريانية من جهة، وبينها وبين العربية القديمة من جهة أخرى، ولعل التأثير اللغوي العربي في اللسان التدمري أكثر وضوحاً، وقد برز ذلك في صياغة أسماء الأعلام وبناء الجمل الاعتراضية، وهمزة التعدية العربية و(ال) التعريف حتى أن شكل الخط في بعض النقوش بدأ يأخذ شكل الخط العربي الذي دوّن به عرب الشمال نصوصهم الأولى، إضافة إلى ظهور الكلمات الموصولة.)
كتاب (النقوش في مدينة تدمر… رحلة في كتابات مدينة تدمر القديمة)، تأليف: خالد الأسعد – جان باتيست يون بالتعاون مع تيبو فورنييه، ترجمة: د. ريم شامية، يقع في 152 صفحة من القطع الكبير، صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2023.