الثورة – عمار النعمة:
في ظلّ واقعٍ مثقلٍ بجراح الحرب، ينهض صوت العقل والوعي ليحمل راية السلام ويدعو إلى السلم الأهلي، كخطوة أولى نحو وطن حرّ يتسع للجميع، فليس من سبيل للاستقرار سوى كسر دائرة الطائفية والانغلاق، وفتح باب الحوار الصادق، الذي يُحقن فيه الدم وتُعلو فيه كلمة الحق.
المثقفون ليسوا مجرد حملة أقلام، بل هم ضمير الأمة، ومن واجبهم أن يكونوا صوتاً للحقيقة، وأن يحاربوا الفتنة بالوعي، ويمنحوا الأمل لحياةٍ يعيشها السوري في ظل سيادة وطنية لا تُساوم، وحريات مصانة تليق بتاريخ عريق وشعب يستحق الحياة.
سوريا ليست أرضاً وكفى، بل حضارة تستحق التكاتف لا الانقسام، السلام لا السلاح، الوعي لا الانفعال، فلنكن نحن أبناءها الحريصين على وحدتها، الساعين إلى إنهاء الفتنة، لنبني معاً دولة مدنية تليق بجراحنا وأحلامنا معاً.
صحيفة الثورة التقت عدداً من المثقفين السوريين الذين قدّموا رؤاهم حول ضرورة تعزيز ثقافة السلام، والسلم الأهلي والعيش المشترك.
السلم الأهلي ضرورة وجوديّة
الشاعرة مروة حلاوة قالت: في بلد مجروحٍ بنزاعٍ طويل وأثمان باهظة، صار السلم الأهليّ ضرورةً وجوديّةً لإنقاذ ما تبقّى من النسيج الوطنيّ، فقد آن أوان تغليب العقل على الغرائز، والحوار على السلاح، والوعي على التحريض الطائفيّ، فكلّ نقطة دمٍ تُراق اليوم تؤخّر مستقبلاً يستحقّه السوريون.
الشعب السوريّ نال حقَّه في الحريّة، ويستحقّ أيضاً أن يمنحَ السلام فرصةً حقيقيّة لينمو في الوعي قبل الواقع لتكون مصلحة الوطن فوق كلّ شيء، ويعود الاعتبار للسيادة الوطنيّة كمظلّةٍ للسوريّين أجمعين.
لكنّ اللافت أنّ التمثيل الثقافيّ في خضمّ هذه التحوّلات مُغَيَّبٌ تماماً، وكأنّ مهمّة المثقّف أن يوثّق الخراب فقط، لا أن يُسهم في منعه.. إنّها نتيجة طبيعيّة لما زرعه “البعث” لعقودٍ من تقييدٍ سياسيٍّ للمثقّف حوّله من فاعلٍ مؤثّرٍ إلى متلقٍّ لإملاءات لا يملك حيالها إلا الحبر والمرارة.
حكمٌ قضى بانكفاء المثقّفين في المنافي، أو بارتهان بعضهم لجهاتٍ مموّلةٍ تعيد إنتاج عجزهم تحت شعارات التنوير الوهميّ المُفرَّغ من الموقف الحقيقيّ، أو باستمرار تهميشهم وتركهم لمصيرهم بتأدية وظيفتهم المحدودة في حراسة المشهد وحمل عبء توصيف الألم وتوثيق الخراب، من دون أفقٍ للمشاركة في القرار، هذه الإزاحات المقصودة أسهمت في إفراغ الموقف العامّ للمثقّف من صوته الأخلاقيّ والفكريّ.
ومع ذلك لا يزال على المثقّفين- أعني من بقي منهم حرّاً- أن يكونوا الصوت العاقل في زمن الصراخ، أن يُصرّوا على قول الحقيقة، وأن يكتبوا للضمير لا للمموِّل، للناس لا للأجندات المجهّزة من الخارج، لأن سوريا بكلّ تنوّعها، تستحقّ أن ننقذها من فخّ الفتنة والانقسام، فالكلمة لم تعد مجرّد موقف، قدر ما هي مقاوَمة للفتنة، وجسر عبور نحو سلامٍ يستحقّه السوريّون جميعاً، لا يكفي أن يؤرّخوا الخراب أو يراقبوه، وإنّما يجب أن يكونوا جزءاً من مشروع وطنيّ يضع حياة الإنسان وكرامته في المقام الأول، ويحمي التنوّع كثروةٍ وطنيّةٍ وليس كخطرٍ وتهديد.
ليس مطلوباً من المثقّفين أن يرفعوا السلاح، بل أن يرفعوا السقف الأخلاقيّ والمعرفيّ، وأن يتجاوزوا الحياد المزيّف، والتوثيق المتحفِّظ للواقع، ويعيدوا المعنى إلى الكلمات.. هكذا فقط يعود للثقافة معناها وللمثقّف دوره في الحياة.
تغليب لغة العقل والحكمة
الكاتب والشاعر حبيب الإبراهيم لفت إلى أن سوريا تتميز بغناها الثقافي والحضاري، من خلال تنوع مكوناتها البشرية والتي قدّمت على مرّ الأزمنة إنموذجاً للعيش المشترك بين مواطنيها، وهذا جعلها متحفاً مفتوحاً للحضارة والتاريخ..هذا التنوع منحها جمالاً أخاذاً لا يمكن لكائنٍ من كان أن يلغي أو يعبث به، هذا التنوع يصبح أكثر بهاءً عندما يقوم على احترام الآخر كما هو، ونبذ التعصب والطائفية والتي هي أخطر سلاح للهدم والتفتيت والتشرذم والتخلف.
وقال: إن رفض خطاب الطائفية والإقصاء يجب أن يكون في مقدمة أي عمل أو توجه للجميع مثقفين ومواطنين هدفهم الأول والأخير سوريا وطن للجميع، تقوم على مبدأ المواطنة الحقّة، المواطنة القائمة على التوازن بين الحقوق والواجبات وصولاً إلى مجتمع قوي متماسك، مجتمع حر معافى..إنّ تغليب لغة العقل ونشر ثقافة المحبة والإخاء والسلام هي المفاتيح الأساسية لتحقيق السلم الأهلي وبناء دولة قوية تجمع أبناءها عل أساس من العدالة والمساواة، فسوريا لكل السوريين بمختلف أطيافهم وهم قادرون على الانطلاق والعمل، وتدعيم سلمه الأهلي، وإعلاء صروح الوطن عندما يتسلّحون بالوعي والعلم، ونبذ كل أشكال الاقتتال والتطرف والتعصب والابتعاد عن التحريض الطائفي وتطويق كل حالات التفرقة من خلال الحوار الوطني الشامل، الذي يجمع كل السوريين ويؤدي بكل تأكيد لمخرجات وطنية جامعة ولمصلحة الجميع.(إنّ الفتنة أشدّ من القتل) لذلك على المثقفين وفي مختلف مواقعهم أن يقفوا في وجه من يريد النّيل من أمن الوطن واستقراره بتبني كلمة الحق، الكلمة الطيبة، الكلمة المؤثرة في المتلقي، وترسيخ الموقف الوطني البنّاء.إنّ بناء سوريا القوية، سوريا الموحدة والمتجددة، مسؤولية الجميع، من خلال التعاون والتعاضد والتكاتف، وتعزيز ثقافة المواطنة القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.بالرغم من كل الصعاب التي تعيشها سوريا فهي قادرة على تجاوز هذه الصعاب وتخطّي الأزمات، بوعي أبنائها وانتمائهم الوطني المتجذر في هذه الأرض الطّيبة وتدعيم المجتمع وترسيخ قيم الحريّة والعدل والمساواة.إنّ تحقيق السلم الأهلي في المجتمع يؤدي إلى انتشار الأمن والآمان، ويعزز من مكانة المواطن ودوره في عملية البناء وإعادة الإعمار، فاستقرار المجتمع وتماسك نسيجه الاجتماعي من أهم عوامل النهوض والتقدم والازدهار.
على الجميع وفي مقدمتهم طبقة المثقفين من أدباء وإعلاميين وصنّاع رأي الوقوف في وجه من يُطلق ويتبنى موجات التحريض على الثأر والانتقام والاقتتال وبث خطاب الكراهية الذي يؤدي إلى المزيد من الحزن والقهر والعذابات، ونشر خطاب المحبة والسلام والحكمة والحوار (اختلاف الرأي لا يفسد ولا يجب أن يُفسد للودّ قضيّة).أمام السوريين خيارٌ واحد، بل أوحد.. تغليب لغة العقل والحكمة للخروج من هذه المحنة بأقل الخسائر.. الحوار.. الحوار للوصول إلى نتائج إيجابية تحمي وتحصّن سوريا من كل الأخطار المحدقة وترسم مستقبلها المشرق، المستقبل الذي يليق بالسوريين صُنّاع الحضارة والتاريخ.