الثورة – ترجمة رشا غانم:
بعث خبر الانهيار المفاجئ لبنك سيليكون فالي، موجات من الصّدمة عبر أرجاء العالم المالي، الأمر الذي أجبر المنظمين الأمريكيين للتدخل وإغلاق بنك سيغنيتشر في مدينة نيويورك، مشيرين إلى خطرٍ منهجي.
هذا ولم تبعث تلك الأزمة القلق والمخاوف في أنحاء العالم المالي في لندن وشنغهاي فحسب، ولكنّها أثارت مخاوف وقوع عاصفة مالية عالمية، وسيبقى أن نرى فيما إذا سيصبح بنك سيليكون فالي، بنك ليمان براذرز التّالي أولاً، ولكنّ من الضّروري الإشارة إلى أنّ تلك الأزمة قد وجَّهت الأنظار إلى الضرر المحتمل للعقوبات الأمريكية وأثرها السياسي على النظام المالي.
اشتهر بنك فالي بمشاركته العميقة في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخاصةً في تطوير الشّركات النّاشئة، حيث وجد البنك نفسه فجأة في ورطة بسبب كمية هائلة من الودائع في السّنوات الأخيرة، والنقص في مشاريع القروض عالية الجودة.
ونتيجةً لذلك، فقد اختار البنك الاستثمار بكثرة في سندات الحكومة الأمريكية، ولكنّ الارتفاعات المفرطة في معدلات الفائدة من قبل المجلس الاحتياطي الفيديرالي خلال العام الماضي تسببت بانخفاض سعر السّوق لتلك السّندات، وفي حين أنّ الخسائر المترتبة على تلك الرّهانات لم تكن لتحصل، لو اختار البنك الاحتفاظ بها حتى موعد الاستحقاق، فأصبحت الخسارة الفعلية أمراً واقعاً لابدّ منه، عندما اضطر البنك لبيع رهاناته بعائدات منخفضة ليلبّي طلبات العملاء على النّقد.
علاوةً على ذلك، فقد يؤدي السبب الجذري لأزمة بنك سيليكون فالي إلى تفاقم عدم استقرار النظام المالي واضطرابات في السّوق، فلنفترض بأنّ مؤسسة مالية تتوقع بأن ينخفض السعر السّوقي لسند معين تحتفظ به خلال الأزمة، فإنّ سرعة ومرونة نقل تلك الأصول ستتأثر وتتعرض لمستويات قليلة من التوريق، لكنّ النظام المالي لايتصرف في هذه الأصول الخطرة، وبدلاً من ذلك، فإنّها تتركز تدريجياً في المؤسسات المالية وفي أسواق مالية محددة متخلفة عن الاستجابة للمخاطر خلال العملية الديناميكية لتوزيع الأصول، وعندما تقع الأزمة أخيراً، قد تندلع المؤسسات والأسواق المالية التي تركزت في هذه الأصول المتقلّصة في اضطرابات عنيفة.
وبسبب التوريق، فإنّ الأسواق المالية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، ما يؤدي إلى صدمات مستمرة في النظام المالي بأكمله، فقبل التوريق، ونظراً لأن العديد من المؤسسات والأسواق المالية تتقاسم الأصول الخطرة المذكورة أعلاه، فقد لا يكون مثل هذا الاضطراب قد حدث.
وبعبارة أخرى، ونظراً لاعتماد الإدارة الأمريكية الكبير على الاقتراض لسنوات، والكمية الهائلة من السندات الحكومية الأمريكية المكدسة في السوق المالية، فعندما يلجأ البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع الأسعار للحد من ارتفاع التضخم، ستشهد مخزونات السندات الأمريكية الهائلة ذات العائد المنخفض المتراكمة سابقاً في السوق حتماً خسائر فادحة في التوريق، حتى لو لم يكن بنك سيليكون فالي، فهناك احتمال كبير لتراكم مثل هذه الأصول الخطرة في البنوك الأخرى وتسبب إفلاسها.
وتواجه السوق المالية الأمريكية مخاطر نظامية محتملة، يفاقمها الاتجاه الأخير للبلاد لفرض عقوبات عشوائية على دول وكيانات أخرى، فبالمقارنة مع المؤسسات المالية التجارية والبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية التي تدير الأصول الاحتياطية الرسمية للعملات الأجنبية، فإنَّ لديها حافزاً أقوى لتبني إستراتيجية “الاحتفاظ بآجال الاستحقاق” للاحتفاظ بسندات الخزانة الأمريكية، فضلاً عن المزيد من السيولة الوفيرة لدعم هذه الإستراتيجية، وينطبق هذا بشكل خاص على المصارف المركزية للبلدان التي لديها فوائض مستدامة في الحساب الجاري.
ومع ذلك، كان هناك عاملان يحفِّزان البنوك المركزية الأجنبية على وقف إستراتيجية “الاحتفاظ حتى الاستحقاق” وبيع سندات الخزانة الأمريكية، ما أدى إلى تفاقم الضغط على السوق المالية الأمريكية لبيع هذه الأصول وخفض أسعارها.
أولاً، أدّت الزيادات القوية في أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إشعال تدفقات رأس المال الخارجة من العديد من الأسواق الناشئة، فضلاً عن هجمات المضاربة على العملات، كما اضطرت العديد من هذه البلدان إلى بيع جزء، إن لم يكن معظمه، من احتياطاتها من النقد الأجنبي (معظمها من سندات الخزانة الأمريكية) لتلبية الطلب على صرف العملات، بدلاً من الاستمرار في الاحتفاظ بهذه الأصول كأصول احتياطية.
وثانياً، أجبر فرض الولايات المتحدة العشوائي للعقوبات على التجارة العالمية والنظام المالي اللاعبين الكبار الذين لديهم احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي على بيع سندات الخزانة الأمريكية من أجل تجنب مصير تجميد احتياطاتهم، حتى من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مثل ما حدث لروسيا.
وعلاوةً على ذلك، كلما زاد استدامة فائض الحساب الجاري لبلد ما، زاد احتمال أن يكون لديه حافز وقدرة على تبني إستراتيجية “الاحتفاظ بآجال الاستحقاق” لسندات الخزانة الأمريكية، لكن في حقبة الحرب الباردة الجديدة، أصبحت هذه الدول بشكل متزايد أهدافاً للعقوبات والهجمات الأمريكية، وبالتالي دافعها الأقوى من أي وقت مضى لبيع سندات الخزانة الأمريكية بكميات كبيرة، ويوضح الانخفاض الكبير في احتياطيات الدولار الأمريكي التي احتفظت بها بعض البلدان الرئيسة في العامين الماضيين هذه النقطة.
في حين أن أسباب الأزمة اقتصادية في المقام الأول، فإنّ استجابة الحكومات والهيئات التنظيمية المالية لدعم المؤسسات المالية المتعثرة هي إلى حد كبير قضية سياسية، فقد يعيق المناخ السياسي الحالي في الولايات المتحدة مع التركيز القوي على الصواب السياسي والشعبوية داخل الحزب الديمقراطي، قدرة الحكومة والمنظمين الماليين على اتخاذ تدابير سريعة وفعالة لمنع انتشار الأزمة ولتصبح غير قابلة للسيطرة.
المصدر – تشاينا ديلي