حسين صقر:
كثيرة هي الكلمات التي قيلت بحقه، وكذلك الجمل والمواضيع التي كتبت والقصائد، وذلك اعترافاً بفضله على النشء، وتذكيراً بجمائله التي يغمر فيها كل من تلقى تعليماً على يده، ليبقى فعلاً الشمعة التي تحترق كي تنير الدروب للأجيال، كيف لا والمعلم حامل راية العلم والمعرفة التي يسلمها من جيل إلى آخر، فهو رسول العلم والمحبة والسلام، وكما يلقن المعلومة، يلقن المعاملة الطيبة الحسنة بين ذلك النشء.
بالمقابل كثير من الكلام، قليل من الحقوق التي يحصل عليها ذلك المعلم، وخاصة في ظل الظروف المعيشية القاسية وصعوبات التنقل والمواصلات، إذ ليس من المعقول أن ينتظر على قارعة الطريق في الشمس والهواء والبرد، ويصل إلى القاعة الدرسية لايقوى على العطاء، وخاصة إذا كان مكان تعيينه بعيداً أو بحاجة لأكثر من وسيلة نقل في الذهاب والإياب، ولهذا من واجب الجهات المعنية أن توفر له عوامل الأمان والراحة وتبحث في كيفية قضاء حاجاته، كي لايشغله عن عطائه أي أمر، وهو ما تفعله الدول المتقدمة، لأن أي أمة إذا أرادت التطور والازدهار عليها بتحسين ظروف معلميها، بدءاً من السكن البديل إلى وسائل النقل المريحة إلى أي سبيل آخر للراحة، وليس انتهاء بالدخل الجيد الذي يكفيه شر الحاجة.
ومع أن العمل ليس عيباً، لكن من غير المعقول أن يجد المدرس نفسه بحاجة لعمل إضافي ليكفي حاجة عائلته، ويضطر أن يعمل في حرفة وتشاء الصدفة أن يكون ذلك في منزل أحد طلابه، أو سائقاً عمومياً وينقل أحداً من هؤلاء الطلاب، فكيف سينظر عندها ذلك الطالب إلى مهنة التعليم والمعلمين؟!
وكي يبقى المعلم محافظاً على وتيرة العطاء والنجاح، يجب أن تتوفر له عوامل وأسباب النجاح والراحة النفسية، كي يكون معطاء وفاعلاً وليس عالة على المدرسة والتلاميذ والمهنة، بعد أن يأتي متحمساً مندفعاً إلى العمل من دون حدود.
وكلما تحققت الظروف المناسبة من أجل عيش كريم للمعلم، كلما كان قدوة لتلاميذه، وكلما كان حاملاً الراية لنهضة البلاد و الفرد والمجتمع.
والسؤال من منا لم يُصادف معلماً ملهماً في مسيرته الدراسية، ويذكره بعد مرور العقود من السنوات، كيف لا وهو الذي يعلمنا كل شيء لتجاوز العقبات وصولاً إلى أهدافنا، وكيف لا وهو ذاك الذي يفتح أعيننا الصغيرة على الآفاق، فنرى ما لم نكن نرى، ونُلاحظ ما لم نلحظه قبل ذلك، فنعرف أنفسنا أكثر، ونميز مهاراتنا ورغباتنا، وكأنه يفتح أمامنا مرآة الذات، لنرى أنفسنا بكل ما نملكه من قدرات ومواهب وإمكانات.
المعلم هو قدوة لأبنائه الطلبة، وواجبه تجاههم يكون بتقديم الرسالة التعليمية على أكمل وجه بأمانة وإخلاص، ولهذا لابد من الاهتمام فيه وبظروفه ومعرفة ما ينفعه وما يضره، وما يفرحه ويزعجه، وفي الوقت ذاته يجب أن يكون المعلم الناجح متواضعاً حسن السيرة والسلوك، لايميز بين تلاميذه ولايحابي أحداً على أحد، يقوي الضعيف، ويجعل من القوي والذكي أسوة حسنة لغيره، فالأخلاق الحسنة هي المرجع الحقيقي للجانبين والتعاون مع الطلاب وتعزيز الثقة بهم، يؤدي إلى نتائج طيبة تعود بالنفع على الطرفين.
إلى جميع المعلمين في عيدهم، كل عام وأنتم بألف خير، وكل عام وأنتم الشعلة الوقادة التي تعطي ويجب أن تأخذ.
إن مهنة التعليم يصعب أن تختفي، لكن قد يتغير دور المعلم ومهامه، وذلك بزيادة العبء عليه بالتعامل مع التكنولوجيا والوسائط المتعددة، إضافة إلى تطوير المناهج باستمرار من حيث المحتوى، وطريقة العرض، ومهما يكن من تغير في هذه الوظيفة عبر الزّمن، إلا أنّه لا يختلف عاقلان على الدور الكبير الذي لعبه المعلم ويلعبه وسيلعبه في تطوّر المجتمعات وبناء الحضارات وتنشئة الأجيال، لأنه أساس للعملية التعليمية، وما خدمته للتعليم وتوظيفه كوسيلة أو أداة تعليمية إلا تحدياً كبيراً أمامه، لأن كل يوم يوجد جديد