لا تزال مشكلة الصرافات الآلية عالقة بين التبريرات والممكن، وهي مساحة ليست بالهينة بالنظر إلى معاناة المواطن اليومية مع خدمة كان يفترض بها التسهيل على المواطن، لتتحول إلى مصدر للهمِّ والإجهاد مع نهاية ومطلع كل شهر خلال فترات صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين.
ليست المشكلة كلها بأعطال الصرافات وما يتشعب عن ذلك من تفاصيل فنية يضيع الجميع في متاهتها، وليست المشكلة في الظروف التي علّقت بعض المصارف عليها تراجع خدماتها، بل المشكلة في آلية التعامل ورمي المسؤوليات من كل جهة على الأخرى، فإن بررت جهة تكون الأخرى معتصمة بالصمت، وإن رمت الأخرى المسؤولية على الأولى تعتصم هذه الأخيرة بالصمت كذلك.. والمواطن ما بين قبض ليراته وما يحول دونها من عراقيل.
العلّة الرئيسية لدى المصارف في هذا الشأن هي التغذية النقدية وما يعنيه ذلك من نقل أموال والتأمين عليها، باعتبار النقل يحمل مخاطر، وكل صراف يتم التامين عليه وفقاً لسقف محدد تتحدد على أساسه التغذية النقدية، وإن تم تجاوز معضلة التأمين تبرز العلة الأخرى وهي قلّة الكوادر المعنية بذلك، تبعاً لقلة التعويضات المصروفة لعناصر التغذية، ناهيك عن مشكلة الحماية لسيارة الأموال وعدم توافر هذه الحماية بعد الساعة الثانية من ظهر كل يوم عمل تتم التغذية فيه.
بتتبع بسيط للمسألة تُذكّر الأقوال التي تطرح مسألة عدم التجديد لكثير من عقود عمال التغذية من وزارة المالية، وهي قضية قديمة تعود إلى سنة ونصف السنة خلت، أما اليوم فلم تعد هذه القصة تُسمع، في حين تبقى الصرافات على حالها، والحجج والذرائع هي ذاتها دون تجديد.
مسألة لا بد أن يوجد لها حل بعيداً عن التنظير والمماطلة وتقاذف المسؤوليات، التي لا تعني بالنهاية من يتجه للصرافات لقبض راتبه، لأنها مسألة صغيرة مجهرية في العمل العام، ومن غير المعقول ألا تتمكن المصارف بعد عقدين من إدخال هذه الخدمة من إيجاد حل منطقي وجذري لها، وبغير ذلك وفي ظل عراقيل صرف المستحقات والرواتب، يمكن السؤال عن دور المصارف في تفعيل هذه الخدمة المقدمة للمواطنين بشكل لائق.