قبل قرن من الزمن، من كان يعتقد أنه سيرى الآخر حيث هو بمكان قصي عنه، بل من كان يظن أنه قادر على تحريك أي شيء من بعد، لقد تطورت التقنيات كثيراً، ووصل العالم إلى مراحل متقدمة جداً، في إنجاز ما كان خيالاً، ولكنه اليوم غدا واقعاً، بل يقفز إلى أن يكون أكثر وأبعد من ذلك، لم يتوقف التفجر المعرفي والعلمي عند حدود التقنيات، بل قفز إلى الإنسان إلى تحليله، وتركيبه، وإعادة برمجته من خلال الفيزيولوجيا وعلم النفس وغيرها، هل نذكركم بكتاب سكينر عالم النفس الأميركي، الذي أطلق عليه (تكنولوجيا السلوك الإنساني) نعم تكنولوجيا وليس أي شيء آخر، تم التعامل مع الإنسان على أنه آلة يمكن برمجتها كما يحلو لنا، وهذا ما عبر عنه أيضاً جون ديوي بقوله: قل لي أي شعب داجن تريد حتى أصممه لك ؟
لم يقف الحد عند إعادة صياغة وبرمجة السلوك الإنساني، بل قفز العلم إلى صناعة الانسان الآلي، ونعرف ماذا يعني ذلك؟ والجديد الذي يتم تداوله في وسائل الاعلام الروسية الخبر التالي :
(ستنتهي مهنة المذيع التلفزيوني، قناة “سفوي تي في” الروسية تطلق مشروعاً جديداً لإذاعة أخبار الطقس تقدمه مذيعة مصممة باستخدام تكنولوجيا الشبكة العصبية الاصطناعية، تم تسمية المذيعة الافتراضية التي تخبر الجمهور عن الطقس، سنيزانا تومانوفا، ولا تنوي إدارة القناة التلفزيونية التخلي بشكل كلي عن الطاقم البشري لتقديم برامجها).
ينتهي الخبر بجملة ليست عادية : ولا تنوي القناة التخلي عن الطاقم البشري، وهذا لايعني أنها يوماً ما لن تفعل ذلك، بل نعتقد أنها هي وغيرها سيفعلون ذلك، ولكن السؤال الملح : هل يمكن أن يكون المذيع ( الآلي ) مزوداً بقدرات وطاقات عقلية تؤهله لأن يناقش ويحلل، ويطلق الأسئلة، ما البرمجيات التي ستحكمه وتقوده، أليست بالمحصلة ( برمجيات معدة مسبقاً) .
أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح، هل يمكن أن يكون هذا فعالاً في المجالات الإنسانية الفكرية، وهل نشهد نهايات الإعلام غير المسيس والمنحاز، مما لاشك فيه أن السنوات القليلة ستكون كفيلة بتقديم إجابات، وما كان خيالاً أمس هو اليوم حقيقة، ولكن: ماذا بعد؟.