الثورة – عبد الحميد غانم:
القضايا الفكرية والسياسية في أحاديث السيد الرئيس بشار الأسد تستحوذ اهتمام المفكرين والمثقفين، كونها تقدم حلولاً وأجوبة لتساؤلات كثيرة حول التطورات والتغيرات التي تجري في العالم، وتقدم رؤية مستقبلية للتحولات المتسارعة في المنطقة والعالم.
تحديات عديدة وكبيرة تواجه وطننا ومنطقتنا، لذلك يؤكد الرئيس الأسد أنّ هذه المرحلة بحاجة لحوارات مكثفة وعمل استراتيجي بين دول المنطقة، نظراً لأن الغرب في هذه المرحلة ربما سيكون أكثر عدوانية، نتيجة النكسات والهزائم التي مني بها مخططه العدواني التوسعي التقسيمي، والذي ركز بوجه خاص ضد سورية ودول العالم ممن تقف في وجه هذا المخطط، وممن تتحالف مع سورية لاسيما روسيا وإيران والصين وغيرها كثير.
في ظل تلك الانتكاسات للمشروع العدواني والهزائم التي مني بها، يحاول الغرب الأميركي والأوروبي استخدام أدوات ومخططات جديدة تستهدف الوطن والأمة والمنطقة واستخدام أدوات الهيمنة والسيطرة التي يمتلكها في العالم في خدمة عدوانيته ومشروعه للتأثير على الأوضاع الداخلية للدول وهو الأسلوب نفسه الذي استخدمه في استهداف الهوية والانتماء والسيادة والقدرات السياسية والاقتصادية في سورية ودول أخرى تقف في وجه مشروعه المعادي في روسيا وإيران والصين وغيرها، ما يُحتّم على دول المنطقة هذه التعامل بدقة مع الأوضاع الداخلية وتعزيز الانتماء، إضافة إلى التحرك باتجاه تمتين العلاقات فيما بينها بما يؤَمّن لها شبكة حماية من أي سياسات عدوانية بمختلف أشكالها.
لذلك فمن الضروري، في خضم التطورات الكبيرة والسريعة على مستوى العالم، أن يكون لدى دول المنطقة – لاسيما لسورية وحلفائها باعتبارها مستهدفة أولاً – رؤية واضحة للمستقبل بما يضمن حماية مصالحها، الأمر الذي يستدعي التشبيك فيما بينها على مختلف الصعد، وتكثيف اللقاءات والحوارات بين المسؤولين والمفكرين والمعنيين بالشأن الثقافي والاستراتيجي والجيو سياسي فيها.
وعلى الرغم من الصعوبات والنتائج التي تتحملها سورية وحلفاؤها جراء المقاومة والصمود بوجه المشروع الغربي الأميركي، فلكل معركة وحرب تخوضها الأمة من الطبيعي أن يكون هناك بعض الخسائر والسلبيات لدولنا، إلا أنّ محصلة هذه التحولات ستكون لصالحنا بفضل صمود بلداننا وشعوبنا ولصالح حقوقنا وإرادتنا، وبسبب الأخطاء الجسيمة في السياسات والرؤى لدى الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية التي تمنى بهزائم ونكسات لمخططها ومشروعها العدواني في المنطقة.
فالتحولات الجارية اليوم في الساحة الدولية تؤكد هذه الحقائق، فبعد سنوات طويلة من استهداف سورية باستخدام كل أدوات الإرهاب السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي لم تفلح في ثني سورية وشعبها وجيشها وقيادتها ودولتها عن مواقفها الثابتة، وكذلك الأمر مع الحليفة إيران، وروسيا والصين، لا بل انعكست تلك النكسات وبالاً على الغرب حكومات وشعوباً، التي تأثرت سلباً وعانت نتيجة العقوبات التي فرضتها على روسيا والصين مثلاً، حيث تعزز حضورهما الدولي وتحالفاتهما السياسية والاقتصادية العالمية، وتعززت علاقاتهما مع دول العالم في كل القارات، وكذلك الأمر ما تشهده سورية من حركة سياسية في المنطقة والعالم، وترحيب بدورها الإقليمي والدولي مجدداً، هذا الدور الذي لا غنى عنه عربياً ودولياً، وفشلت كل المحاولات الغربية والمعادية لتهميشه، فعودة العلاقات بين طهران والرياض، وتعزيز علاقات سورية مع الدول العربية، والتقدم الكبير الذي تشهده العلاقات الروسية – الصينية هي خطوات إيجابية في هذا السياق.
والرئيس الأسد دائماً يركز في لقاءاته وحواراته السياسية الوطنية والدولية حول موضوع الهوية والانتماء في ظل عالم المحيط الذي يموج بالأعاصير والحروب الثقافية والسياسية، وتتلاطم أمواجه جراء محاولات الهيمنة والفردية القطبية الغربية التي تحاول منع الاستقرار وتعدد الأقطاب والتوازن والعدالة في العلاقات الدولية، ويعتبر سيادته أنه يجب البحث في عمق الهوية لأن الأطراف المعادية تحاول أن تستهدف الهوية والانتماء، فالغرب وضع جيل الشباب أمام خيارين، الأول أن يكون متطرفاً دينياً، والثاني أن يكون منحلاً وفاقداً لأي انتماء و أخلاق، لذلك فإن التحدي أمام دولنا هو أن نخلق لجيل الشباب خياراً ثالثاً يقوم على أساس الحفاظ على الهوية والثقافة والانتماء وبما يتناسب مع العصر الحالي بشكل يعبر عن الاعتزاز بالدين والهوية الوطنية والثقافة الاجتماعية والحضارية، وأن شعوبنا عبر التاريخ دافعت عن هويتها وانتمائها وأخلاقها الحضارية التي جاء الدين ليتممها ويعززها.
التالي