خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عمان:
من رحم المعاناة يولد الأمل، والأمل هنا في سورية قلب العروبة النابض بعد عقد زمني حالك أو بالأحرى اثني عشر عاماً عجافاً أثقلت كاهل سورية بكل تفاصيلها المأساوية، لكن طائر الفينيق يخرج دائماً متجدداً من بين الركام والنار ليحلق فوق أعلى قمة بجبل قاسيون معلناً أن سورية تجدد نفسها رغم الجراح والآلام، وأنها ستعود سورية التي عرفناها تقود خط الدفاع الأول عن قضايا أمتها.
نعم سورية ستعود بعد كفاح وتضحيات جسام عمّدت بأرواح الشهداء من حماة الديار وصبر جميل لشعب صامد أدرك منذ البداية حجم المؤامرة التي حيكت في عواصم عالمية لتعصف ببلده والوطن العربي عموماً وقد استغلت فيها هموم الشعوب بهدف إسقاط تلك الأوطان، سورية ستعود بثمرة الدفاع المقدس الذي حققته منظومة الوطن بقيادة فذة نجحت في إدارة الأزمة بكل حكمة واقتدار وهي تجني اليوم حصاد الصمود.
بعد 12 عاماً تبدو بوارق الأمل تلوح بعودة سورية إلى الحضن العربي وعودة العرب إلى سورية وهي باكورة طلائع البشائر العربية بالتئام الصف العربي، ولا شك أن الأمل يسود خارطة الجغرافية العربية من المحيط إلى الخليج والآمال هنا كبيرة في أمتنا العربية أنها سوف تتجدد أيضاً وتستعيد عافيتها وتكسر عوارض تقهقرها، وخطوة البداية يجب أن تكون من هنا في دمشق الفيحاء والخطوة التالية ستكون في القدس الشريف بعون الله.
من بكين إلى طهران إلى الرياض، فدمشق تبدو هناك تحولات عالمية الطابع تأذن بعهد جديد قادم، وإذا ما حدقنا النظر نحو موسكو نجد قمة تحالف الشرق التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج حيث يتم رسم معالم عصر جديد يخلص العالم من تداعيات شرور الأحادية وشراستها ويقلب أوراق التاريخ نحو عالم متعدد الأقطاب بعد إزالة عصر الهيمنة والطغيان والظلم والفساد، وحسبما تجري سنة الله في الكون فإن ما يحدث في العالم من متغيرات كبرى سوف تغير المسرح الدولي في غضون السنوات القليلة القادمة بإذن الله.
وعوداً إلى سورية قلعة الصمود فإن المتغيرات الدولية والتي ساهمت في تشكيل المشهد الإقليمي واتفاق بكين بين الرياض وطهران الذي أعقبه انفتاحاً سعودياً نحو سورية ظهرت بوادره مع تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مؤتمر ميونخ حيث ذكر: “أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سورية لايجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري” وهذا الزخم الدبلوماسي نحو سورية ازداد عقب الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا الشهر الماضي فكانت سانحة الأمل من رحم الألم، وخلال الأسبوع الماضي صرَّح الرئيس الأسد لتلفزيون آر تي: “لم تعد الساحة السورية مكان صراع إيراني – سعودي” معتبراً أن الاتفاق بين هاتين القوتين الإقليميتين شكل “مفاجأة رائعة” ومن المتوقع قيام وزير الخارجية السعودي بزيارة قريباً إلى العاصمة السورية دمشق تستأنف بعدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين الذين لطالما مثلا أهم عواصم الثقل في الوطن العربي خلال العقود الماضية، وشكلا توازناً في منطقة الشرق الأوسط، ومن المؤمل هنا مشاركة سورية في القمة العربية القادمة التي سوف تحتضنها العاصمة السعودية الرياض في منتصف أيار المقبل.
العودة العربية إلى سورية ستنهي حالة قطيعة استمرت منذ عام 2011م لتؤسس نحو مرحلة وفاق عربي ينبغي أن تكون أولى معالمها إعمار سورية والتنسيق لعمل عربي مشترك ودعم قضايا الأمة العربية وتشبيك مصالح الدول العربية الاقتصادية مع بعضها ومع القوى الاقتصادية الإقليمية والعالمية وتوحيد الجهود في دعم القضية المحورية الفلسطينية لإزالة هذا الكيان الذي يبدو انه يتآكل من الداخل ولعلها متلازمة العقد الثامن لكيان إسرائيل، كل هذه المتغيرات التي تسود المشهد العربي والإقليمي والدولي تترقبها الشعوب العربية بكل تفاؤل، والبداية سوف تكون من سورية قلب العروبة النابض.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم.