قد لايخفى على أحد الدور المهم الذي يقوم به المثقفون خلال الحروب والأزمات، لطالما كان لتلك الشريحة دورها في قيادة المجتمع وإنمائه والنهوض فيه، لكن مع كل أسف، يبدو أن الدور اليوم للأصوات النشاز التي تعلو من هنا وهناك، معولة على الوهم، ومتناسية أن هناك قانوناً ودولة، ويجب الامتثال لهما، كي لاتخرج الأمور من عقالها، وهو ما يحدث، من دون أي حساب للعواقب.
ليس مبالغة أن المثقف بما يمتلك من الرؤى الصائبة المبنية على المعرفة وتقصي الحقائق، وبما يحمله من إحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، معني بالوقوف إلى جانب مجتمعه في الحوادث والملمات، فكيف إذا كانت حروباً استهدفت البشر والحجر على حدّ سواء؟
اليوم ونحن نقف على أبواب عتبات خطرة، لا بدّ أن نكون أكثر تمسكاً بمبادئنا وثوابتنا وقضايانا العادلة، وعليه لا بدّ أن يأخذ المثقف دوره الفاعل وتقريبه، وعدم إقصائه، والاستماع له ولآرائه، لأن عودة ليست ببعيدة لتلك الآراء سوف تكون، وكلمة العقل والحق سوف تعلو، وسوف يكون القول على الملأ: فعلاً أيها المثقف كنت على حق.
هذا الشخص يحمل لواء المعرفة والوعي، مع أنه متهم بالجبن والخوف، وعدم الخوض في الصراع والاقتتال، وذلك لعدم امتلاك البعض لرؤيته، وظلمه بأنه يخشى الموت، ولكن لا يعلم هؤلاء، أن هذا المثقف لديه الإيمان الكبير بالقضاء والقدر، ولا أحد يموت وينقصه سنوات من العمر، ولكن رغبته الجامحة بوقف شلالات الدماء وتجفيف منابعها هو هاجسه من أجل عيش البشر بسلام.
هناك من يتآمرعلى بلدنا وبأساليب متلونة وعبر بعض الإغراءات، مستغلين أوضاع البعض المعيشية، وأوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية، والهدف تثبيط العزيمة، وجعلنا نتخلى عن هويتنا ومبادئنا وقيمنا التي تربينا عليها.
بالمقابل من البديهي ألا تقتصر المسؤولية على المثقف، فالجميع معني بإعادة الإعمار والبناء الروحي والنفسي والاجتماعي، قبل البناء المادي، وخاصةً مع انفلات العالم الافتراضي والمفتوح، والذي بات يشكّل وسيلة خطيرة لتداول الأخبار الملفقة وغيرها، بعد أن بات مرجعية الكثير من أفراد المجتمع الذين يستصعبون البحث عن الحقيقة، وهنا تكمن الخطورة، لأنه ليس دائماً من يتصدر هذه الصفحات هو بالمستوى العلمي والمعرفي اللائق، فكثيرون هم متطفلون ويدسون السم في الدسم، لذلك يجب أن يعتلي هذا المنبر أصحاب الفكر والأقلام النزيهة للدفاع عن المجتمع وحمايته من اختراق المتسلقين.