الثورة – رنا بدري سلوم:
ينتظر الدقائق الأخيرة لآذان المغرب بكل لهفة، ليس لتناول الطعام مع ذويه الصائمين وحسب، بل لتجتمع عائلته على مائدة واحدة وفي وقت واحد، وهو الأمر المحبب لدى كل طفل يعيش طقوسه الرمضانية في فانوس وهلال مضاءين ساعة قدوم الكهرباء، وفي جو التحابب والترابط وسهرات الأسرة وضوضائها حتى وقت السحور.
فها نحن ندخل العشر الأخير من شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي يخلق جوا من الصفوة والألفة ويعيد للحياة الأسرية حيويتها وجماليتها وتوازنها إن صح التعبير، بعد عام من العمل المستمر، قد يضطر أحدنا لتناول طعامه بعيدا عن أسرته، وهناك من يناوب في عمله مساء، وكذلك من كان بعيدا عن أطفاله بداعي السفر، وأسباب عدة تبعد ربّ الأسرة عنها تلبية لحاجاتها في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة التي نعيشها، فرغم افقار مائدة الإفطار لما لذ وطاب من النعم كحال معظم السوريين، إلا أننا نعيش الامتنان لنعم عدة، أعظمها الأمان والطمأنينة تحت سقف البيت وفي حضن الأسرة الدافىء، وخاصة بعد ما تعرضت له البلاد من زلزال هزّ وجداننا وضمائرنا وجعلنا نحمد الله حتى ولو على كسرة خبز تبقينا أحياء في منازلنا وبين أفراد أسرتنا سالمين.
شهر رمضان يعلمنا كيف نزرع الخير لنحصده فيما بعد، ونندم على أخطاء كنا قد تناسيناها غافلين، لنفتح صفحة جديدة مع ذواتنا ومع الآخرين نعقد فيها العزيمة على أن نكون أفضل وإلى الله أقرب، فكم منا لبى عزيمة إفطار لإعادة التواصل بعد قطيعة مع الأرحام، وكم منا زار أصدقاءه يبارك لهم الشهر الفضيل ليعزز أوصال الود والألفة، لذا شهر رمضان ليس شهر الصيام والتعفف عن ملذات الحياة وحسب بل هو شهر الألفة وجبر القلوب، شهر المحبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، جميل مشهد موائد الرحمن على امتداد الوطن تمد لإفطار الصائمين تقرباً لله جلّ وعلا على مدار الشهر الفضيل، لمشاركة الإنسان أخيه الإنسان لقمة وكلمة وابتسامة في شهر العفو و الإحسان، وعسانا أن نعمم هذه القيم على مدار العام لأنها جوهر إنسانيتنا، فكم عظيم أن نكون في كل الأوقات إلى بعضنا أقرب والى الله أحبّ.
السابق
التالي