رشا سلوم
يعود الباحثون من جديد إلى البحث في أوراق وسير حيوات المبدعين الكبار الذين مازال وسيبقى أدبهم خالدا لا يموت على الرغم من كل ما جرى ويجري .
وفي هذا الإطار يبدو الأدب الروسي منجما ثرا لا ينضب.. الأدباء الروس الذين دخلت أعمالهم كل بيت ومدرسة هم الأكثر حضورا في هذا الزمن ..ومن هؤلاء انطون تشيخوف الذي قضى باكرا لكنه ترك إرثا إبداعيا مهما..
الناقد العراقي الدكتور جودت هوشيار تتبع سيرة وأعمال تشيخوف وكتب عنه قائلا:
( صاغ انطون تشيخوف 1860 – 1904) حياته وعقيدته الإبداعية على النحو التالي:
“الكاتب ليس طاهي معجنات، وليس خبير تجميل ، وليس مهرجا لإضحاك الناس، إنه شخص يقوده الوعي بواجبه، ويعمل ما يملي عليه ضميره “.
عاش تشيخوف 44 عاما ، قضى نصفه مصابا بمرض التدرن الرئوي ، الذي أودى بحياته في نهاية المطاف . ولكنه أنجز خلال حياته القصيرة ما يعجز عنه عشرات الأشحاص الآخرين.
– كتب جوالي ( 500 ) قصة قصيرة ، و (11) رواية قصيرة و16 مسرحية ، ما عدا المقالات واليوميات ، وحوالي 4000 رسالة
– في عام 1890 ، قام برحلة طويلة وشاقة إلى جزيرة ساخالين في أقاصي سيبيريا ، من أجل زيارة المعتقلات والسجون ، ومناطق النفي النائية ، ودرس أوضاع المحكومين الصحية والإنسانية ، والتقى بمئات المعتقلين والمنفيين. وجمع قدرًا هائلاً من المواد الوثائقية حول حياة محكومي سخالين والسكان المحليين، وعن السلوك البيروقراطي لمسؤولي المعتقلات والسجون، وتعسفهم وإذلالهم لكرامة الإنسان الضعيف.
كما أجرى إحصاءً لسكان الجزيرة، وجمع حوالي 10 آلاف بطاقة إحصائية. وبعد عودته من الجزيرة ، نظّم ملاحظاته الغزيرة ضمن كتاب “جزيرة سخالين” المكرس للأوضاع اللاإنسانية في الجزيرة.
بعد نشر هذا الكتاب – الصرخة. أرسلت وزارة العدل وإدارة السجون ممثلين عنهما إلى سخالين ، واتخذت إجراءات لتحسين أوضاع المعتقلين والمنفيين وسكان الجزيرة،
هذه الرحلة المضنية ، التي قطع فيها تشيخوف آلاف الأميال – بالقطار أولاً ، ومن ثمَ بالعربات وأخيرا على ظهر جواد – أثرت في صحته كثيراً ، حيث أصيب بعدها بنزلة برد شديدة ، ظل يعاني من آثارها لمدة طويلة. كان الدم يتدفق من فمه فيمسحه بالمنديل أو المنشفة ويخفيهما عن أهل بيته.
– خلال عامي 1891-1892 ، عندما كان جزء من وسط روسيا ومنطقة الفولغا يعاني من مجاعة شديدة بسبب الجفاف ، نظم حملة تبرعات لصالح مقاطعتي نيجني نوفغورود ، وفورونيج الجائعتين ،وتفقد أوضاع نلك المناطق بنفسه مرتين.
– أسس مكتبة عامة في بلدته “تاغانروغ ” وتبرع لها بألفي نسخة من كتبه وكتب الكتّاب الروس الآخرين.
عندما كان يعيش في ضيعته قرب ميليخوفا جنوب موسكو عالج آلاف الفلاحين المرضى ، وقدم لهم الأدوية اللازمة مجاناً.
– خلال موجة وباء الكوليرا عام 1892 عمل طبيبا بمفرده في 25 قرية ومن دون مساعدين او اي دعم من الحكومة. وقام بشراء الأدوية والمعقمات الضرورية على نفقته الخاصة. وقدمها للفلاحين مجانا
– أسس ثلاث مدارس نموذجية في القرى ، وكانت من أفضل المدارس في روسيا
– أسس مركزا لمكافحة الحرائق في منطقة ريفية
– تبرع بنفقات تبليط الطريق السريع من بلدة لاباسنايا الى بلدة ميليخوفو.)
هذا هو المثقف المبدع الحق الذي لا يقول ما لا يفعل، بل الفعل قبل الكتابة ومن أجل الحياة لهذا جاء أدبه إبداعا خالدا.