الثورة – ترجمة غادة سلامة:
مأساة السياسة الأمريكية التي تدفع باتجاه الحرب، ولكن لا سلام أبداً، والنتيجة هي الاستمرار في نشر العنف والفوضى في العالم.
يشير عنوان مقال بارسي إلى أن الولايات المتحدة ليست صانع سلام لا غنى عنه، إلى استخدام وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت مصطلح “الأمة التي لاغنى عنها” لوصف دور الولايات المتحدة في عالم ما بعد الحرب الباردة.
المفارقة في استخدام بارسي لمصطلح أولبرايت أنها استخدمته بشكل عام للإشارة إلى صنع الحرب الأمريكية، وليس صنع السلام.
في عام 1998، قامت أولبرايت بجولة في الشرق الأوسط ثمَّ الولايات المتحدة لحشد الدعم لتهديد الولايات المتحدة بقصف العراق.
وبعد فشلها في الحصول على الدعم في الشرق الأوسط، واجهت أسئلة مقلقة وحرجة خلال حديث متلفز في جامعة ولاية أوهايو، وظهرت في برنامج Today Show المشهد اليومي في صباح اليوم التالي للرد على المعارضة العامة.
وزعمت أولبرايت أنه إذا كان علينا استخدام القوة، فذلك لأننا أمريكا؛ نحن لا غنى عنا، وقالت أولبرايت وقتها: نحن نقف ونرى المستقبل أبعد من البلدان الأخرى، ونرى هنا الخطر الذي يتهددنا جميعاً، وأعلم أن الرجال والنساء الأمريكيين الذين يرتدون الزي العسكري مستعدون دائماً للتضحية من أجل أمريكا.
كان استعداد أولبرايت لقبول تضحيات القوات الأمريكية أمراً مفروغاً منه قد أوقعها بالفعل في المشكلات عندما سألت الجنرال كولن باول، “ما فائدة وجود هذا الجيش الرائع الذي تتحدث عنه دائماً إذا لم نتمكن من استخدامه؟، وقد كتب باول في مذكراته: “ظننت أنني سأصاب بتمدد الأوعية الدموية”.
لكن باول نفسه رضخ لاحقاً للمحافظين الجدد، أو “المجانين” كما وصفهم على انفراد، وقرأ بإخلاص الأكاذيب التي اختلقوها في محاولة لتبرير الغزو غير المشروع للعراق أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شباط 2003.
على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، خضعت إدارات كلا الحزبين لـ “المجانين” في كل منعطف.
إن الخطاب الاستثنائي لأولبرايت والمحافظين الجدد، الذي أصبح الآن أسلوباً قياسياً عبر الطيف السياسي الأمريكي، يقود الولايات المتحدة إلى صراعات في جميع أنحاء العالم.
لكن الحياد أصبح لعنة بالنسبة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة، لذلك فإن تهديد جورج دبليو بوش للعالم: “أنت معنا، أو أنت ضدنا”، أصبح افتراضاً أساسياً راسخاً، وإن لم يكن معلناً، في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين.
وكان رد فعل الجمهور الأمريكي على التنافر المعرفي بين افتراضاتهم الخاطئة حول العالم والعالم الحقيقي الذي يستمرون في الاصطدام معه هو الانعطاف إلى الداخل واعتناق روح الفردية، ويمكن أن يتراوح هذا من فك الارتباط الروحي في العصر الجديد إلى الموقف الشوفيني لأمريكا أولاً، ومهما كان الشكل الذي يتخذه كل واحد منهم، فإنه يسمح لهم بإقناع أنفسهم بأن قعقعة القنابل البعيدة، وإن كانت في الغالب أمريكية تلك ليست مشكلتهم.
لقد أثبتت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة جهلهم وزادت من صحة جهلهم من خلال الحد بشكل كبير من التغطية الإخبارية الأجنبية وتحويل الأخبار التلفزيونية إلى غرفة صدى مدفوعة بالربح يسكنها النقاد في الاستوديوهات الذين يبدو أنهم يعرفون القليل عن العالم.
يعيش معظم السياسيين الأمريكيين الآن من خلال نظام الرشوة القانونية من السياسة المحلية إلى السياسة الحكومية إلى السياسة الداخلية، ويصلون إلى واشنطن، وهم لا يعرفون شيئاً عن السياسة الخارجية، وهذا يتركهم ضعفاء أمام كليشيهات المحافظين الجدد مثل العشرة أو الاثني عشر المعبأة في تبرير أولبرايت الغامض لقصف العراق.
في مواجهة مثل هذا الجدار الصلب من الهراء، ترك الجمهوريون والديمقراطيون على حدٍ سواء السياسة الخارجية بحزم في أيدي المحافظين الجدد أصحاب المقولات القاتلة، الذين جلبوا للعالم فقط الفوضى والعنف.
إن مأساة السياسة الأمريكية اليوم هي أنها دبلوماسية للحرب لا من أجل السلام، فالأولويات القصوى لوزارة الخارجية ليست صنع السلام، ولا حتى الفوز في الحروب فعلاً، وهو ما فشلت الولايات المتحدة في القيام به منذ عام 1945، بصرف النظر عن استعادة البؤر الاستعمارية الجديدة الصغيرة في غرينادا، وبنما، وإنما تتمثل أولوياتها الفعلية في التنمر على الدول الأخرى للانضمام إلى تحالفات الحرب التي تنشر الفوضى والعنف عبر العالم.
المصدر – انفورمشين كليرنغ هاوس