“إجراءات التعاطي مع مؤسسات القطاع العام ودراسة دمج وإعادة هيكلة المؤسسات والشركات ذات الاختصاص المتقارب”.. جملة وردت بشكلٍ عابر ضمن الخبر الرسمي لآخر جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي في يوم الثلاثاء الحادي عشر من نيسان الجاري، وهي على الرغم من تزيينها بعبارات “تعزيز دور مؤسسات القطاع العام “.. و”تحقيق مرونة وكفاءة أعلى في الأداء” فإنها تنضوي بالنهاية على إرباكات واسعة، واضطرابات طويلة عريضة للقطاع العام المضطرب أصلاً وبشدّة.
ومع أنه قد لا يكون هناك قطاع عام في العالم أحوج من قطاعنا العام لمزيد من إعادة الهيكلة وصولاً لكفاءة وأداء عالي المستوى، تبعاً لما هو فيه وعليه من مآسٍ ومحن، غير أن الاقتراب منه بهذا الشكل العريض وبهذه الظروف الشاذة سيعرضه للمزيد من المخاطر، لأن إعادة الهيكلة تعني عناوين عريضة كثيرة، وعناوين فرعية وتفاصيل أكثر وأكثر، فهي عملية صعبة ومعقدة تُحاكي روح وجسد القطاع العام الذي لايزال هو الرافعة الكبرى للتنمية، والعماد الأساسي للمجتمع والاقتصاد رغم كل ما حلّ به من تقويضٍ ودمارٍ وخراب، ورغم كل الفساد الذي يعشّشُ بين ضلوعه وفي زواياه وعلى أبوابه ونوافذه.
لا نتحدث بهذه الصيغة للتبريد من الهمم، وإنما لمخافة أننا لن نكون قادرين على التنفيذ، فنحن لسنا بحاجة إلى جرعات جديدة من الوعود التي تحيط بنا من كل اتجاه، ويمكننا أن نستنتج إلى حدود التأكيد بأن الوعد بمثل هذه الإعادة للهيكلة ليس إلا وعداً فاشلاً سلفاً، لأن العديد من الحكومات السابقة – وكانت ظروفها أفضل من ظروف هذه الحكومة بكثير – حاولت ذلك وفشلت فشلاً ذريعاً، فكيف ستتمكن الحكومة الحالية من التصدي لمثل هذا العمل الكبير والمُعقد في الوقت الذي لم تصل فيه إلى نتيجة فعالة في مسائل كثيرة كتخفيض الأسعار وتحسين مستوى المعيشة، وزيادة الدخل، والحفاظ على قوة الليرة الشرائية، وكبح التضخم ومكافحة البطالة، ومشاكل الخدمات المتردية في الكهرباء والنقل والاتصالات .. وما إلى ذلك؟!
قد تكون النيات طيبة ولكنها لا تنفع في مثل هذه الأمور وخاصة عندما تزيد على حدها وصولاً إلى إعادة هيكلة القطاع العام ليبدو الأمر هنا نوعاً من الهروب إلى الأمام، والتملّص من تلك الأزمات الملحّة التي تحتاج أولاً إلى إيجاد حلول بالحدود الدنيا على الأقل قبل التجرؤ والانتقال إلى ملامسة مشاكل عويصة أخرى لن نحظى منها بأي شيء سوى بإضافتها إلى قائمة الأزمات المتراكمة.. ليزداد القطاع العام هماً فوق همومه.
إن إعادة الهيكلة إياها تحتاج إلى المزيد من الأموال والعقول المدبّرة والهدوء والسكينة للتعمق في الواقع، والوقوف على مواطن الضعف والقوة، ومن ثم السير بدقة وحزم، فهي نوع من الاستثمار في الوطن، وخلق رؤية ناضجة تكون قادرة على إطلاق العنان لخيالٍ خصب كفيل باصطياد المزيد من التجديد والإبداع والابتكار، وقطاعنا العام اليوم غير مهيّأ لذلك أمام الظروف التي تعصف به، والتي تضيع بها الملامح، فالبناء على أسسٍ غير واضحة لن يكون متيناً، وبالتالي فالعملية لن تسهم بتعزيز رأس المال العام – كما يأمل مجلس الوزراء – ولا بزيادة الإنتاج وتحسين واقع الخدمات، ولن تضمن الحفاظ على قطاع عام قوي وتنافسي.. بل سيكون البناء عرضة للانهيار عند أقل الهزات الارتدادية وقوعاً.. ونضعه بمواجهة الأثر الشائع “هَمّ ما لك هَمّ جبنا لك”.
السابق