لا يكون الحديث عن الجلاء في ذكراه الـ 77 مجرد احتفال سنوي حول الإنجازات التي تحققت بخروج آخر جندي فرنسي عن أراضي وطننا الغالي، بل لابد من التذكير بالإنجازات التي تحققت والثورات التي تتالت والعقبات التي واجهت المجاهدين والشعب السوري ككل وكيف نُفذت الخطوات للوصول إلى الاعتزاز بالحصاد الوفير.
فلا بد من التعريف بالأهداف الإستراتيجية التي نهجها الثوار للوصول إلى يوم الجلاء، والحديث عن الطريق الطويل الذي يجسر الفجوة بين السابق واللاحق من الأجيال، وكيف استطاع مجاهدو الجلاء أن يحققوا جملة من الثورات عبر ثورة واحدة ليحققوا الانتظار على أشرس أنواع الاستعمار الغربي .. وكيف استطاع من قبلهم الآباء والأجداد الانتصار على المستعمر التركي وعلى العبودية والإقطاعية.. حيث كان لكل من هذه الانتصارات وسائلها في المواجهة والتمسك بالهوية العربية والقيم المجتمعية الأصيلة.
وبعد أن أثبت التاريخ الطويل من المقاومة أن الشر لا يدفع إلا بالشر .. نجد كيف أن جيشنا العقائدي وشعبنا الأبي سجل أكبر الانتصارات في مواجهاته الأسطورية وحربه على الإرهاب والداعمين له خلال اثني عشر عاماً في معارك كان لها أدواتها وبرامجها ودُفع لها الثمن الكبير من الشهداء والتضحية لتحقيق النصر.
وكي تبقى قناديل الضياء في ليل العروبة مُنورة على ربوع الوطن، يجب ألا يستهان بالدور الكبير للأجيال الحالية والقادمة، وتذكيرهم بأن الحروب لا تتشابه بالشكل، وأن الاستعمار يغير جلده ولونه وطريقة تسلله إلى جسد هذه الأمة، مستخدماً كل السبل لتحقيق أطماعه القديمة والحديثة التي أخذت تبرق ضمن وسائل تربوية وتكنولوجيا مبهرة.
فلم يغادر الاستعمار بصورته النهائية.. فهو يفرض غطرسته من خلال محاولات التسلل الثقافية والمجتمعية والاقتصادية.. ومحاولات تدمير القيم وتغيير توجهات الشباب والسيطرة على طرائق تفكيرهم من خلال ما يُبث ليل نهار من أفكار دون محتوى ومناهج معدة مسبقاً، والتلاعب بالتاريخ والمصطلحات بما يخدم مصالحهم وتوجهاتهم… فهو يعي جيداً ما أهمية التربية والقيم والانتماء .. وعليه فهو يصب كل جهده في تفريغ المجتمع من قادته وعلمائه ومبادئه في مسيرته التخريبية في كل المجالات .. التعليم والإعلام والاقتصاد والدين والتراث ليتمكن من التأثير في عقول الأجيال وتحريكها وفقاً لتوجهاته، ومن أجل صناعة إنسان وفق ما تريد سياساته الاحتكارية.
الاحتفال اليوم بذكرى الجلاء العظيم يجب أن يرافقه تهيئة وتذكير بضرورة فهم المنهجية الجديدة لأنواع مستترة من المستعمرين الجدد ومحاربتهم بطريقتهم نفسها.. وتحصين الأجيال من السموم التي ترسل إليهم مدسوسة بالعسل.
التالي