رغم تعاقب الأيام والسنوات تبقى ذكرى الجلاء، اليوم الذي شهد رحيل واندحار المستعمر الفرنسي عن أرضنا الحبيبة، مناسبة غالية لها حضورها وزهوتها وإشراقها في الوجدان الجمعي السوري، وهي جديرة بالاحتفاء والإحياء والابتهاج، لأنها توّجت ستة وعشرين عاماً من الكفاح والنضال والبطولات والمواقف الخالدة لشعبنا الأبي بدءاً بمعركة الشرف والفداء والتضحية في ميسلون في الرابع والعشرين من تموز عام 1920 حتى صبيحة السابع عشر من نيسان عام 1946.
لقد كان يوم الجلاء شاهداً حياً على حقبة نضالية مهمة من تاريخ سورية الحديث، حيث قارع خلالها أبناء شعبنا الأبي على كل بقعة من أرض الوطن قوات الاحتلال الغازية عبر ثورات عارمة ومعارك متلاحقة قدموا خلالها أروع الأمثلة في التضحية والفداء وحب الوطن، وتوحدوا خلف راية واحدة وهدف واحد، وكان لهم ما أرادوا ، حيث أذعن المحتل لإرادتهم في النهاية وخرج من أرضنا مذلولاً مدحوراً دون قيد أو شرط.
واليوم نستعيد ذكرى هذا اليوم الأغر وكلنا ثقة بأن شعبنا الذي صبر وصمد وقاوم هذه الحرب الهمجية المفروضة عليه منذ اثنتي عشرة سنة من قبل قوى الشر والعدوان والإرهاب، قادر على صنع المستحيل وطرد كل محتل غاصب عن أرضنا، بدءاً من الجولان السوري المحتل وصولاً إلى الشمال والشمال الشرقي، حيث يحاول المحتلان التركي والأميركي استهلاك الوقت وإضاعته وهما يعرفان مصيرهما الحتمي، حيث لا مكان لهما على أرض مجبولة بدماء الشهداء وتضحيات الأجداد والآباء.
فكما واجه شعبنا الأبي أطماع فرنسا المستعمرة خلال ستة وعشرين عاماً من القرن الماضي، ها هو يواجه اليوم بكل عناده وجبروته أطماع ومخططات وإجراءات الغرب الرأسمالي الاستعماري الذي يسعى لإعادة عقارب الساعة للوراء، ولكن هيهات، فقد ولى زمن الاستعمار ولا مجال اليوم إلا لإرادة الشعوب الحرة الساعية لنيل استقلالها وحريتها وتحصين أوطانها ضد المحتلين والغاصبين والطامعين، فتحية إكبار وإجلال لرجالات الجلاء الأغر وكل التحية والإجلال لأرواح شهدائنا الأبرار على مر الدهور والأعوام.
السابق