الملحق الثقافي- علم عبد اللطيف:
في النصف الأول من القرن العشرين.عرف القراء نشاطاً أدبياً في المنطقة العربية. بدأ يتخذ أشكالاً تتفق مع الإقبال الملحوظ على قراءة الرواية الصحفية في بادئ الأمر ..فما هذه الرواية الصحفية؟
بدأ الصحفي والروائي المصري حلمي مراد بإصدار سلسلة..كتابي..في كتاب يصدر شهرياً. وفيه تنويع أدبي وصحفي.ويقدم في كل كتاب رواية يقوم بتلخيصها، أو يكتبها هو بنفسه.
اعتمد حلمي في اختيار رواياته المنقولة..على قصص التحول في التاريخ والعالم. مفاصل تاريخية صنعت تحولاً إنسانياً. واختار أن يقدم قصص النهايات..مثل سقوط الامبراطورية الرومانية..ونهاية الملكية قي فرنسا..وسقوط القيصرية في روسيا..وسقوط الامبراطورية العثمانية..وهكذا.
نهايات تعني فيما تعنيه..بدايات جديدة.
لن نناقش طويلاً مشروعه من حيث المنهج..بل يعنينا الحدث الروائي الذي يقدمه.. إذ اعتمد حلمي مراد على تقديم التاريخ مطعماً بالإنسان. ليتابع القارئ الحدث التاريخي برفقة شخصية واكبت الحدث أو صنعته. بإدراك منه أن التقريرية السردية للتاريخ لا يخفف من جفافها سوى وجود وتلمس المشاعر الإنسانية. فيعيش القارئ حزن الشحصة وفرحها. انتصاراتها وانكساراتها..لكأنما يعيش المرحلة الزمنية بنفسه.
لم يلجأ مراد لرسم شخيصات من الخيال في الرواية. فأوليمبيا هي فعلاً والدة الاسكندر المقدوني. وجوزفين زوجة نابليون.وايميه دي ريفري هي والدة السلطان العثماني محمود الثالث. والكسندرا زوجة نيقولا الثاني قيصر روسيا.الخ..
وربما كان مردّ ذلك إلى أن التاريخ الذي قدمه مراد. لا يحمل إشكالاً من حيث استنطاق الشخصية التاريخية التي قدمها.وهي في العموم أجنبية. فلا يتحفظ على مصيرها. باعتبار أن ذلك حصل فعلاً. ويتوجب الإشارة إلى نجاح هذه التجربة بشكل لافت في مصر. وإلى المتابعة المهمة لسلسلته من قبل القراء العرب. فقلما كان يخلو بيت قارئ من كتب هذه السلسلة.
لكن جرجي زيدان..بدأ كمن يختطّ طريقاً مختلفاً عن حلمي مراد.فاختار أن يقدم سلسلة روايات تاريخ الإسلام.في كتاب الهلال..وهو اسم الدار التي أسسها في مصر.
جرجي زيدان باختياره لذات طريقة مراد بإيراد مفاصل تاريخية روائية. لكنه اختلف عنه بحصر الحدث بتاريخ الإسلام والدولة الإسلامية..مبتدئاً بأرمانوسة المصرية.لتنتهي سلسلته بأسير المتمهدي في السودان. مروراً بكل تاريخ الدولة الإسلامية.
سنرى زيدان يبتدع شخصية روائية من خياله.تواكب الحدث التاريخي والمرحلة الزمنية التي يبتغي تقديمها. مثل.ارمانوسة.. وأسماء..عذراء قريش. وعروس فرغانة..وفتاة القيروان..وجلنار ابنة دهقان مرو..وسيدة الملك في عهد الفاطميين. وهكذا. ويمكن فهم ابتداع شخصية روائية محورية في روايات جرجي زيدان. في صعوبة استنطاق شخصيات الإسلام والدولة الإسلامية كشخصيات تتحمل المقولات التاريخية التي يوردها. ومعظمها استقاه زيدان من كتب التاريخ التي كتبت بعد عهودهم. وهو معذور في ذلك كما نرى.لكنه اقترب أكثر من حلمي مراد من مشروع روائي عربي مستقر وأصيل . يقوم بالأصل على رسم شخصيات خيالية في العمل الروائي. ويتحرر الكاتب من الحدث التاريخي. منطلقاً نحو اتساع الرؤية الفنية والإبداعية.
يبقى السؤال..هل كانت محدودية زمن الدولة الإسلامية.سبباً في توقف سلسلة دار الهلال.أم إن طبيعة المرحلة الزمنية هي التي أوقفتها..؟. ويبدو التساؤل مهما إذا لاحظنا توقف سلسلة كتابي أيضاً بذات الفترة تقريباً.
لا شك أن التجربتين أسستا للمشروع الروائي العربي. بصرف النظر عن أهمية المادة التاريخية التي تم تقديمها. ويمكن القول إن زمن حياة كل من الكاتبين. كان هو العامل الحاسم في توقف السلسلتين.
العدد 1141 – 18-4-2023