في بداية الثمانينيات من القرن الماضي كانت سورية تستورد القمح.. لدرجة أنها لجأت في مرحلة ما إلى إحدى دول الجوار لتأمين حاجة الأفران من القمح.
حينئذ اتخذ قرار التوجه إلى زراعة القمح ودعمه بكل السبل المتاحة.. وفعلاً بعد سنوات قليلة أصبحت سورية رائدة في إنتاج القمح ووصل مخزونها من القمح في منتصف التسعينيات إلى أكثر من 6 ملايين طن..
طبعاً كان لهذا الاكتفاء والوفرة أثرٌ سياسي واقتصادي تجلى في تجريد الدول المعادية من سلاح الضغط والتقليل من سياسة الحصار..
طبعاً لا ننكر أثر الأزمة والحرب الإرهابية المفروضة على بلدنا منذ أكثر من 12 عاماً، وتداعياتها على مجمل المشهد الاقتصادي والزراعي .. إلا أننا في الحقيقة افتقدنا هنا إلى سياسة التخطيط السليم..
أعلنت الحكومة أن عام 2020 هو عام القمح ووجهت بدعم زراعته إلا أن البيدر كانت حساباته مختلفة عن الحقل.. فكانت الخسارة مزدوجة.. والكل يعرف كيف حرمت مناطق واسعة وزراعات أخرى من السماد بحجة “عام القمح”.
اليوم تفاجأ الفلاح على كامل المساحة بقرار الحكومة بتحديد سعر كيلو القمح المستلم من الفلاح بـ” 2300″ ليرة.. وهي التي قالت إن هذا السعر جاء بعد دراسة التكاليف.
وإن لم نتبع اليوم أسلوب السخاء في العطاء فإن الفلاح سيمتنع عن تسليم إنتاجه والبحث عن سعر أعلى في السوق الموازية.. مع ضرورة الإدراك أن المحتل التركي والأميركي يتربص شراً وسيحاول تهريب القمح السوري أو سرقته أو شراءه…
كل هذه السيناريوهات ستقود إلى نتيجة واحدة و هي خسارة مزدوجة..
وضع محصول القمح ليس أفضل حالاً من باقي المحاصيل الأخرى.. وهنا وجب علينا التذكير بمحصول التبغ الذي كان يساهم بفعالية كبيرة في دعم خزينة الدولة.
الفرق الشاسع بين تسعيرة الحكومة والسوق السوداء ستجبر الفلاح على الاتجاه لتحقيق مصلحته وتقليل خسارته، أو أنه سيترك أرضه ويعزف عن الزراعة وسط هذا التخبط المقصود في السياسة الزراعية.
قراءة المشهد تحتاج إلى قرار سريع يعدل التسعيرة، فهل نشهده؟..