في ضوء الواقع الذي يعيشه المنتجون ونعيشه كمستهلكين، والمعطيات والوقائع والنتائج على الأرض، يمكننا القول: إن الجهات المعنية في الحكومة لم تفلح حتى الآن بوضع سياسة زراعية يتم من خلالها تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار وأوقات مناسبة، وتحديد سعر كل مادة زراعية منتجة وفق تكلفتها مع هامش ربح مقبول للفلاح المنتج، والبيع بهذا السعر على امتداد فترة الإنتاج، وبحيث نبعد الفلاح عن أي خسارة وقلق وخوف منها، ونمنع الحلقات الوسيطة من تحقيق الأرباح الكبيرة على حسابه وحساب المستهلك.
ومع استمرار هذا العجز نكرر للمعنيين ونذكرهم بأن الفلاح هو الأداة الرئيسة لزيادة الإنتاج، وتأمين مستلزمات الإنتاج له بعيداً عن التهريب والسوق السوداء هو الشرط الأساسي لعمله وإنتاجه، وتسويق إنتاجه بعيداً عن المعاناة والخوف والضغوط النفسية والخسارة هو الشرط الأساسي الثاني في استمراره بالإنتاج وتطوير هذا الإنتاج، لكن هل تحمي سياستنا الزراعية هذا الفلاح وتؤمن له المستلزمات وتسوّق له الإنتاج وفق ما ذكرنا؟.
بالنسبة للمحاصيل الاستراتيجية وبالأخص القمح كان الجواب في السابق نعم، أما في المواسم القليلة الماضية وهذا الموسم لاسيما لجهة تأمين مستلزمات الإنتاج وتحديد السعر للكيلو بأقل من التكلفة فالجواب لا، وبالنسبة لبقية المحاصيل الرئيسة وغير الرئيسة فالجواب: لا لجهة مستلزمات الإنتاج والأسعار والتسويق، والدليل هو الخسائر المتكررة التي يتعرض لها الفلاحون بسبب شراء الكثير من مستلزمات إنتاجهم من الأسواق السوداء بأسعار كبيرة كالبذور والسماد والمازوت وغيرها، ومن ثم بسبب بيع معظم إنتاجهم بأسعار تقلّ عن التكلفة بكثير، والأمثلة معروفة وكثيرة للجميع.
والسؤال الذي يردده المنتجون والمستهلكون على السواء هو: مادامت كلّ توجيهات وتوجّهات الدولة تؤكد على دعم الإنتاج الزراعي وتطويره -خاصة في هذه الظروف القاسية التي نعاني فيها الحصار والعقوبات والوضع المعيشي السيئ- لماذا نجد أن سياستنا الزراعية والتسويقية ما زالت قاصرة جداً عن تحقيق النتائج المرجوة لجهة حماية المنتجين والمستهلكين، وتطوير الإنتاج كماً ونوعاً وتسويقه في الداخل والخارج بالشكل المناسب؟