الملحق الثقافي- لينا كيلاني:
هل فقدت الرواية دورها الحكائي في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي ربما خطفت دورها؟
محدثي يسألني: ترى هل فقدت الرواية دورها الحكائي في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي ربما خطفت دورها؟ فأبادره بسرعة لا.. لا يمكن للرواية أن تفقد دورها الحكائي مهما تغولت وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها،فللرواية مكانة لا تقبل المنافسة في عالم الأدب، والثقافة.
ومهما أفردت الوسائل الحديثة من مساحة لإيصال الأفكار، وعبورها من قارة إلى أخرى، بل إلى أقاصي الأرض تظل الرواية الوسيلة الفنية الأقدر على إيصال رسائل الفكر، والروح، وتصوير الحياة بالتعبير الفني الأكثر جمالاً، وإتقاناً، ومتعةً للقارئ، وهي بالتالي بما ترسخ له من معانٍ، ومضامين تفعل فعلها تأثيراً في النفس البشرية، ورفعاً من مستوى الوعي، والثقافة عامة.
إلا أن وسائل التواصل جرّأت مَنْ لا قلم لديه، أو مَنْ هم من غير أصحاب القلم من أنصاف الموهوبين، أو أشباههم لأن تعزف أصابعهم نغماً نشازاً في لحن الرواية الخالد. وكلمات مبعثرة بأفكار متواضعة عبرت وسائل التواصل لتصل إلى مطابع الناشرين فيضمها غلاف كتاب تمهره كلمة (رواية)، ليفتخر به كاتبه أيما افتخار.
وبالرغم من وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي توفر للأفراد وسائل التواصل الفوري، إلا أنها لا تستطيع أن تحل محل الرواية في نقل المشاعر،والخبرات الإنسانية، والتجربة العميقة، ولا في تسليط الضوء على موضوعات بعينها، وجوانب مختلفة من الحياة بأسلوب له سحره، وخصوصيته.
وإلى جانب كل ذلك فالرواية توفر لقارئها تجربة فريدة من نوعها عندما تدخله في عالمها الخيالي الذي يبتدعه الفكر بما يتفوق بمرات عما توفره كلمات مجردة من السياق، وصور على مواقع التواصل الاجتماعي.
2
ولا ننسى أن للرواية تأثيرها على المجتمع، فكثير من الروايات سواء الكلاسيكية منها أم الحديثة قد أحدثت تغييرات كبرى في المجتمعات التي تناولتها، سواء أكان ذلك عن طريق ترسيخ القيم الإنسانية، أو تسليط الضوء على
المشكلات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية التي تواجه المجتمع.
فنحن لم ننس أثر (جورج أورويل)، ولا (ليو تولستوي)، ولا (نيكولا مكيافيللي)،
ولا (هيرمان هيسه)، أو (بورخيس)، وكثير غيرها من أسماء الروائيين العالميين.
ومادام الأدب لا يعدم وسائله ليكون وسيلة فعالة للتغيير الاجتماعي فهو ما يسهم في تشكيل الوعي العام من خلال اللغة، والصورة التي يرسمها، والفلسفة التي يحملها.. إلا أننا لا يمكن أن ننكر دور الوسائل الحديثة في التواصل المباشر
ما بين القارئ والكاتب ما ينعكس إيجاباً على التفاعل والنقاش بينهما، وتعرف الكاتب على آراء قرائه.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الرواية كجنس أدبي لا تزال حية، وستظل تحتل مكانتها في عالم الأدب والثقافة، ولا يمكن لأي وسيلة أخرى أن تحل محل دورها الحكائي والثقافي والمجتمعي.. لكننا في الوقت ذاته لا ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصاتها قد غيرت من نمط الحياة الثقافية، والاجتماعية،وبالتالي من عادات القراءة إذ أصبح كثير من الناس يقضون وقتاً أقل في القراءة التقليدية، ويفضلون القراءة الإلكترونية عبر الأجهزة المحمولة، وهذا فرض بالتالي تحديات جديدة على الروائيين فيما يتعلق بتقديم النصوص بطريقة تناسب عادات القراءة الجديدة من حيث تكثيف المعنى واختصاره في عدد صفحات أقل، وربما أيضاً في معالجة موضوعات جديدة لها سمة العصر الذي نعيشه.
قد ننسى بسرعة ما نقرؤه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بينما تظل بعض الروايات متقدة في الذاكرة دون أن يخبو وهجها.
العدد 1142 – 2-5-2023