بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
منذ استقلاله وحتى يومنا كان السودان الشقيق في صلب الأجندات الأميركية والإسرائيلية المعادية ومخططات النهب والتفتيت الغربية، والسبب معرفة هؤلاء بأهمية موقعه وتأثيره على الأمن في الساحتين العربية والإفريقية، وبسبب غناه الطبيعي بالثروات، وفي مقدمتها الزراعية والمائية، ونتيجة لذلك عانى شعبه من ويلات الانقسام والحروب التي أنهكته وشتت قدراته وأضاعت استثمار ثرواته، وكانت أكثر مأساوية حين تمَّ تقسيمه إلى شمال وجنوب.
واليوم تتفجر الأحداث في هذا البلد العربي الغني بموارده بعد أن ترسخت بذور الفتنة والتقسيم والنزاع بين مكونات مجتمعه، وجعلته أمام ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، ورغم أن طرفي النزاع “الجيش السوداني وقوات الدعم السريع” رحبا بالمحادثات التي استضافتها مدينة جدة السعودية الأحد الماضي، إلا أن الطرفين مازالا ماضيين في إسماع أصوات مدافعهما لكل العالم، وكل منهما يأمل أن يحسم المعارك لصالحه، ومازالت الهدن المؤقتة التي وقعا عليها حبراً على ورق.
فالاشتباكات العنيفة تتصاعد ساعة بساعة، وأخطرها في العاصمة الخرطوم، والتي حصدت آلاف القتلى والجرحى من المدنيين، ودفعت مئات الآلاف إلى النزوح من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى ونحو دول الجوار، وسط تبادل للاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وتعطيل محطات التحكم بالكهرباء والمياه، وقطعها عن مناطق واسعة في البلاد، ونهب وحرق المجمعات التجارية، ونهب بنك الخرطوم، وغيرها من متممات الفوضى “الخلاقة”، وبصورة أدق الفوضى “الهدامة” التي ابتدعتها واشنطن يوماً وعممتها على بلدان منطقتنا.
محادثات جدة تشكل أول مسعى للحل وإطفاء نيران المعارك، التي أدخلت هذا البلد العربي في دوامة الفوضى والكارثة الإنسانية المتمثلة بالقتل واللجوء وفقدان الأمن والأمان، والتي تهدد الأمن العربي، والمصري تحديداً، بالصميم، لكن السؤال الأهم اليوم هو: هل نشهد حلاً سياسياً شاملاً، ينهي معاناة الشعب السوداني، الذي قدّرت الأمم المتحدة أنّ نحو 19مليوناً من أفراده قد يعانون سوء تغذية حاد خلال الأشهر المقبلة؟ أم أن الأزمة الطاحنة ستأخذ مسارات أكثر خطورة تدمر وحدة السودان وتشرد شعبه وتزيد معاناته وفقره؟.
هل يستطيع السودانيون المحافظة على وحدة دولتهم ومؤسساتها ويحققوا السلام والعدالة، ويوقفوا شلالات الدم وينهوا العمليات العسكرية، وهل تنجح الدول العربية في تطويق الأزمة أم إن رعاة التفتيت في الغرب والكيان الإسرائيلي سيتمكنون من منعهم من إنجاز هذه المهمة، وسيقسمون السودان إلى عدة مقاطعات أولها “دارفور” كما فعلوها حين رأينا السودان الشمالي وجمهورية جنوب السودان؟.
هل يتمكن كيان الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة من محاصرة مصر ونسف أمنها المائي وأمنها القومي واستقرارها، وامتلاك زمام الأمور في البحر الأحمر وباب المندب؟.
صحيفة “الثورة” تتابع في ملفها السياسي اليوم كل ما يجري على الأرض السودانية وآفاق الحل إن قدر له النور، وتلتقي عدداً من الكتاب والباحثين السودانيين والعرب ليسلطوا الضوء على أسباب الأزمة المتفجرة وتداعياتها وصب القوى الغربية الطامعة الزيت فوق نارها الملتهبة.