الثورة – أيمن الحرفي:
لم تكن الأسرة في كل العصور إلا الحاضن الأول للطفل و الأساس الأهم المسؤول عن تربيته الذي يستمد قوته النفسية والجسدية من خلالها ويأخذ منها العادات و السلوكيات الصحيحة والسلبية فتتشكل لديه الاتجاهات والقيم والعادات والمعايير السلوكية المرغوبة.
ولطالما يحتاج الصغير إلى جو أسري منظم نرى الطفل المعافى هو نتاج أسرة سعيدة متفاهمة تعرف واجباتها و تعطي التربية مقوماتها ما استطاعت..
و لا يخفى على أحد أن الأطفال في مرحلة الطفولة الأولى بحاجة للتزود بالخبرات المباشرة حيث تؤكد أبحاث الدماغ أن العلاقة الأولية الصحية بين الطفل وأسرته تكون نظاماً من الحالات الانفعالية التفاعلية المميزة تعمل على تحريك الخلايا العصبية الدماغية نتيجة التفاعل والعلاقة الصحيحة المقرونة بالمتابعة والمراقبة تفرزها وتنشطها وتنميها.
و النتيجة التي توصل إليها علماء التربية و الأسرة أن للأسرة دوراً كبيراً في تشكيل الأخلاق والسلوكيات والعادات حيث يقول أساتذة علم النفس: (أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء) وقيل (الرجال لا يولدون بل يصنعون). والتوجيه القيمي يبدأ في نطاق الأسرة أولاً ثم المدرسة والمجتمع.
فالأسرة هي التي تكسب الطفل قيمه، فيعرف الحق والباطل والخير والشر، متلقيا
هذه القيم دون مناقشة في سنيه الأولى حيث تتحدد عناصر شخصيته وتتميز ملامح هويته في سلوكه وأخلاقه، لذلك فإن مسؤولية رب الأسرة تعليم أطفاله القيم الرفيعة والأخلاق الحسنة وليس التركيز فقط على السعي لتأمين الغذاء والشراب واللباس ومستلزمات الحياة الأخرى. يقول الدكتور أكرم ضياء العمري: (إن حب الطفل لا يعني بالطبع عدم تأديبه وتعليمه آداب السلوك الاجتماعي منذ الصغر مثل تعويده التعامل الحسن مع أصدقائه، واحترام من هو أكبر سنا منه، وتعميق الرقابة الذاتية لديه أي قدرته على تحديد الضوابط لسلوكه تجاه الآخرين، فإذا لا بد من التأديب للطفل والتعاطف معه فكما أنه لا يصلح الخضوع الدائم لطلبات الطفل كذلك لا يصلح استمرار الضغط عليه وكبته. فالتدليل الزائد يفسد تربيته ولا يعوده على مواجهة صعوبات الحياة والضغط الزائد يجعله منطويا على نفسه مكبوتا يعاني من الحرمان).ولكن منظومة التربية لا تخلو من المخاطر التي تواجه الأسرة، وتؤدي إلى تراجع وتأخر نجاح تربية الطفل منها التناقض في أقوال و سلوك الوالدين .
فالأب الذي يكذب يعلم أولاده الكذب والأم التي تنهى طفلها عن فعل و تأتي به ؛ عندها ما نفع التربية و مقوماتها . ومن المخاطر أيضاً عدم التعاون والتنسيق بين الأسرة والمدرسة لذا ينبغي مد جسور التعاون بينهما وإيجاد جو من الثقة والتعاون يساعد على النهوض بالأبناء نحو الرقي والبناء القويم والتربية السليمة الواعية المعطاء.
ومن مخاطر التربية الفراغ وعدم الإفادة من الوقت، فهناك الأعمال التي يسهمون فيها بمساعدة والديهم ويمكن تعويدهم حضور مجالس الآباء وندوات العلم والمعرفة المفيدة والتدرب على المطالعة وتنمية هوايات الشعر والرسم والموسيقا والرياضة ودمجه في الأندية والأنشطة الاجتماعية المختلفة. وضرورة التركيز على التربية الأخلاقية والمثل الطيبة، وأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما وتنمية الوعي والصراحة والوضوح. ولا يتم ذلك إلا بفهم نفسية الأولاد ومنحهم الثقة بأنفسهم والتحلي بالصبر في تربية الأبناء كل ذلك كفيل بتوفير أقوى الدعائم لتربية سليمة وتكوين شخصية الأبناء وتوجيه سلوكهم وإعدادهم شخصيات قادرة وفاعلة، لنصل بذلك ان يرى الطفل في والديه المثل الأعلى له و القدوة الحسنة و بوصلة السير في مجتمع مليء بالمخاطر و العقبات محفوف بالفشل و لكن النهاية أيضا مضيئة لمن أحسن الأساس وأرسى دعائم الحب و المسؤولية في قلب و عقل ووجدان طفلهم .