الثورة – رفيق الكفيري:
يوم التاسع والعشرين من أيار عام 1945، لم يكن يوماً عادياً بالنسبة للسوريين على امتداد مساحة الوطن، إنه يوم تحتفل سورية فيه بيوم قوى الأمن الداخلي تكريماً لشهداء قوى الأمن الداخلي الذين سجلوا صفحة مشرقة في تاريخ سورية النضالي عندما رفضوا أداء التحية لعلم المحتل الفرنسي عند إنزاله مساء من فوق سارية الأركان الفرنسية مقابل البرلمان بالرغم من إنذار الجنرال الفرنسي (أوليفا روجيه)، فما كان من القوات الفرنسية إلا أن فتحت نيران رشاشاتها ومصفحاتها ودباباتها باتجاه البرلمان فاستشهد عناصر الحامية الخارجية ومن ثم اقتحم الفرنسيون مبنى البرلمان وجرت معركة بالسلاح الأبيض بين الفرنسيين وحماة البرلمان الذين نفدت ذخيرتهم واستشهدوا جميعاً، يومها أمطرت دمشق والمدن السورية بأكملها بوابل من نيران المدافع والمصفحات والرشاشات الفرنسية وهدمت البيوت وقتل الرجال والنساء والأطفال وحلت الويلات على أبناء شعبنا الأبي على يد المحتل الفرنسي، فهول الجريمة دفع الجماهير يومها إلى الالتجاء للمساجد وخاصة المسجد الأموي الكبير فراراً من قصف المدفعية الثقيلة المتواصل.
لقد ألهب شعبنا العربي السوري على امتداد ساحة القطر الأرض ناراً ضد المستعمر الفرنسي في ثوراته المتتالية، وكعادته المستعمر لكي يخفي جرائمه بحق الشعوب التي تتطلع إلى الحرية والاستقلال والسيادة.
قبل 78 عاماً وفي التاسع والعشرين من أيار قطع الفرنسيون جميع الاتصالات عن سورية وأغلقت الحدود وتوقفت الصحف عن الصدور لمنع العالم من معرفة حقيقة ما يجري في سورية من أعمال وحشية على يد السفاح الجنرال / أوليفا روجيه / عندما رسم خطته الإجرامية لضرب المجلس النيابي في التاسع والعشرين من أيار عام 1945 وقتل الوزراء والنواب كافة من أجل إحداث فراغ دستوري واحتل جميع دوائر الدولة وفرض الحكم العسكري الفرنسي المباشر ، يومها لم تعقد الجلسة لعدم اكتمال النصاب وانصرف النواب والوزراء الذين حضروا.
كتيبة الفرسان الأولى في الجيش الوطني السوري عقدت اجتماعاً في الساعة الثانية عشرة منتصف ليلة 28 /29 أيار عام 1945 في منزل العقيد الدكتور توفيق عز الدين لتنفيذ خطة الهجوم على الفرنسيين وقد ضم الاجتماع 29 ضابطاً وصف ضابط، دام الاجتماع حتى الرابعة صباحاً من 29 أيار وقد وزعت المهام على الضباط المجتمعين لتنفيذ الهجوم على الفرنسيين وتحرير قلعة السويداء واعدوا القسم التالي: أقسم بالله العظيم وبعروبتي وبشرف عائلتي وشرفي أن أكون ذلك الجندي الذي يضحي بأغلى ما يملك فداء للمصلحة الوطنية وألا أبوح بسر هذا العمل الذي قررنا القيام به إلا بعد تنفيذه وسأكون في الساعة السادسة صباحاً في قلعة السويداء رهن شارة الأوامر المتفق عليها) وبتمام الساعة السادسة صباحاً كانت المهام قد نفذت بالهجوم على المحتلين الفرنسيين وتحرير قلعة السويداء، ورفرفت الأعلام الوطنية على الثكنات والمؤسسات الرسمية في جبل العرب وتم إنزال العلم الفرنسي عنها واعتقل المندوب الفرنسي( سارزان) و اقتيد سارزان إلى المعتقل مع جميع الضباط الفرنسيين والبالغ عددهم 23 ضابطاً واستمر نضال شعبنا في كل بقعة من بقاع سورية إلى أن تحقق الجلاء عام 1946، والتاريخ اليوم يعيد نفسه فأعداء الأمس هم أعداء اليوم يدعمون الإرهاب والإرهابيين ويشنون حرباً على سورية غير مسبوقة في التاريخ ولكن السوريين إلى جانبهم ومعهم جميع الشرفاء في العالم سينتصرون على قوى الشر والبغي والعدوان ويدحرون الإرهاب ويطهرون كل شبر من أرض سورية الحبيبة من رجسه فدماء الشهداء تصنع الأعياد وشهداء الحرية سطروا 29 أيار عيداً بدمائهم فهم كما قال عنهم القائد المؤسس حافظ الأسد: (الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر).