الثورة – علاء الدين محمد:
من الخطأ بمكان أن نعتقد أن التلاميذ الذين مزقوا كتبهم أمام مدارسهم بعد انتهاء الامتحان لا يعرفون أن ما فعلوه أمر مستهجن وسلبي وغير لائق.
هم يعرفون ذلك .. لكن مافعلوه يعتبرونه شيئاً من الفنتازيا إن صح التعبير .. أو فشة خلق ..ولدى سؤالنا أكثر من تلميذ عن سبب هذا السلوك .. وهل لديهم علم أن هذه الكتب ستسلم للمدرسة قال أحدهم : نعم كلنا يعلم ذلك .. لكن رأيت رفيقي يمزق كتبه ففعلت مثله .. على مبدأ إذا تثاءب عمر تثاءب خالد .. ضمن هذا الإطار كانت لنا وقفة مع كل من الأديبة والمدرسة ميادة سليمان، والأدبية والمدرسة عبير نادر
والأديبة والمدرسة ميادة مهنا سليمان تبدأ حديثها بمقولة لعبّاس محمود العقّاد:
«القراءة تضيف إلى عمر الإنسان أعمارًا أُخرى».أستذكر هذه المقولة، وأشعر بالأسى لِما أرى عليه جيل شبابنا من قحط في الثّقافة، وفقدان شهيّة للقراءة، وإهمال للكتاب.
فالطّلّاب معظمهم لم يعد العلم بالنّسبة لهم سوى كتب محشوّة بمعلومات ودروس عليهم حفظ ما فيها كي ينجحوا، وتنتهي مهمّة هذه الكتب، بانتهاء العام الدّراسيّ، إذ تُصبح كعلبة غذاء انتهت صلاحيّتها ومصيرها الرّمي، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى التّبجّح بالخروج من المدرسة، وتمزيق الدّفاتر والأوراق المهمّة الّتي كان يدرس منها الطالب، والآنَ أضحت بلا قيمة بالنّسبة إليه، فعليه التّخلّص منها بأبشع طريقة، فتأتي عمليّة التّمزيق كانتقامٍ، وكما يقول استشاريّ الطّبّ النّفسيّ السّعوديّ محمّد الحامد بأنّ هذه الحالة هي «عنف مكبوت تجاه المؤسّسة التّعليميّة..وعنف تجاه المعلّم..»
وعلى هذا ينبغي أن نجد حلولًا تبتدئ منذ الصّغر بجعل الطّفل يحبّ الكتاب، ويحافظ عليه، وبعدها يأتي دور المؤسسات التّعليميّة، وهي للأسف سبب كبير لنفور الطالب من العلم والمدرسة والتّعليم، ولطالما انطوت هذه الظّاهرة على كره خفيّ للدّراسة، فهذا دليل على فشل المؤسسات التّعليميّة في جذب الطالب، وجعله يؤمن بمقولة غيلبرتهايت:
«الكتب ليست أكوامًا من الورق الميّت، إنّها عقولٌ تعيش على الرّفوف»
وختامًا: أرجو يومًا ما أن تصبح المطالعة منذ سنوات الطّفل الأولى في المدرسة، وأن تخصّص حصّة يوميّة يدخل فيها الطّفل إلى المكتبة، ويتعلّم قدسيّة احترام الكتاب، فيصبح الكتاب ضرورة حياتيّة له حين يكبر، وينأى بنفسه عن تمزيقه، وتقليل شأنه، فكما يقول ميخائيل نعيمة:
«عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطّاولة، والسّرير والكرسيّ والمطبخ، عندئذٍ يمكنُ القول إنّنا أصبحنا قومًا متحضّرين.»
ظاهرة مؤلمة
وأما الأديبة عبير نادر فتقول:
علينا أن نكون متيقظين لهذا الخطر ونعمل على درئه، ظاهرة تمزيق الكتب والدفاتر أمام المدارس هي ظاهرة مؤلمة جداً وغير حضارية أبداً، وتنم عن جهل كبير بقيمة الكتاب وتصغير لقيم العلم والمعرفة التي نحاول جاهدين غرسها في نفوس الطلاب والتلاميذ على اختلاف مراحلهم الدراسية.
ولاحظت هذه السنة تفاقم هذه الظاهرة بشكل كبير والمدهش بالموضوع بأن الكتب مجانية ويجب إعادة تسليمها لمكتبة المدرسة.
انا أرى أن هناك رسالة خطيرة من هذه الظاهرة وهي عدم احترام العلم والجهل الكبير بقيمة الكتاب وقيمة الكلمة.
علينا أن نعمل جاهدين على تعزيز قيمة الكتاب في نفوس الطلاب من خلال التشجيع على العلم والمعرفة والمحبة أيضاً.
لأن التلميذ الذي يقدر قيمة الكتاب لا يمكن أن يمزقه والتلميذ الذي يملك المحبة يعلم جيداً أنه سيفيد تلميذاً آخر بهذا الكتاب.
علينا أن ندق ناقوس الخطر أمام هذه الظاهرة ومنذ بداية العام القادم علينا أن نكون متيقظين لهذا الخطر ونعمل على درئه من خلال زرع قيم العلم والمعرفة وأهمية الكتاب في حياتنا.
ويمكننا أن نلاحظ أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة قبل الأزمة التي مرت بها بلدنا لذلك، فهذا المظهر برأيي هو من مفرزات هذه الأزمة.