الثورة – لميس علي:
تقول الفنانة الأميركية تيرنيسيتا فرنانديز: «كونك فناناً لا يقتصر فقط على ما يحدث في المرسم، الطريقة التي نعيش بها، والأشخاص الذين نختارهم، والطريقة التي نحبّ بها، والطريقة التي نتحدث بها، والكلمات التي نتفوّه بها… كلّ ذلك سيغدو المادة الخام للفن الذي نقوم به»..
إذا كانت هذه التفاصيل اليومية تؤثر على نتاج الفنان التشكيلي.. فكيف الحال مع الحروب والأزمات..؟
ألم تغيّر من الكيفية والنوعية لديك..؟
ثم ماذا عن الذائقة.. كيف أثرت بها الحرب..؟
وكما هو معلوم كانت البلاد، مؤخراً، تحت تأثير صدمة الزلزال وما تبعه من هزّات أرضية..
كلّ هذه الظروف المحيطة كيف غيّرت لديك كفنان/كفنانة تعاطيك مع اللوحة.. من حيث الطرح.. الأفكار.. اللون..؟
وهل كانت فعلاً كلّ تلك الأحداث «المادة الخام» للفن الذي تقدّمه/تقدّمينه..؟
الفنان يمارس طقس النسيان الإيجابي
الفنان محمد أسعد سموقان: الفنان السوري هو ابن البيئة التي يعيش فيها.. عاش الحروب فأثّرت عليه نفسياً وجسدياً.
بالنسبة لي، فلي لغتي التشكيلية الخاصة، بقيت اللغة هي ذاتها من حيث المعالجة لكني أضفتُ عناصر جديدة فيها روح التحدي، الغضب والفرح، الحبّ والجنون، القهر والصبر، الموت والحياة، الحزن والفرح.
رسمتُ الغابات المحروقة قبل أن تُحرق، رسمتُ المجاعة الحاصلة بواقعية تعبيرية، بحرية في التعبير.. قبل الحرب والزلازل لا أعرف لماذا كان حشد العناصر في أعمالي كبيراً! لكنها الكوارث جعلتني أترك العنصر وحيداً في اللوحة فأصبح العنصر ينوي الخلاص من حصار وكأنه يقول اتركوني أفكّر وحيداً..!
واللون أصبح حاضراً بقوة نقائه يواجه عين المشاهد.. كنوع من التحدي!
وطريقتي في الرسم، عندما يدخلُ عنصر ما جديد إلى لوحتي أحافظ عليه ضمن جمل تشكيلية كثيرة ليصبح لي وملكي..
والخط يقبل الشكل بلطف لا يقسو عليه..
والشكل لا يكون جامداً حيث يكون حضوره نوعاً من المقاومة في نظام اللوحة والكون والحياة.
أرى أن قدرات الفنان تتصعّد إلى أقصاها عند الأزمات، الفنان يمارس طقس النسيان الإيجابي لخلق عالم آخر بعيد عن القتل والدمار.
المشاهد كارثية، ولا أستطيع إلا أن أقول: إننا سرنا نحو دمار ما بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، صحيح أن التشكيلي السوري يعيش لحظات من التحدي لكنه لم ينقطع عن العمل.. فالمواجهة الأكبر للكوارث أتت من التشكيليين ومحبي الجمال والحياة.
تحفيز طاقات الآخرين وبث روح الفرح
الفنانة لينا ديب: برأيي أن الفنان ليس مرآة تعكس الواقع بطريقة سلبية بمعنى نقل الواقع وكأنك أمام المرآة، بل على الفنان إعادة تأويل وخلق واقع جديد يعتمد على مخزونه البصري الممتزج بثقافته البيئية والتربوية والتاريخية، والتي تتولّد من مشاهداته اليومية..
فهو يحمّل اللوحة رؤاه الذاتية المفعمة بالأحاسيس والمشاعر الخاصة ويفرّغها في تشكيل مكتنز بما تراه عينه من مشاهدات يومية وممتزج بثقافته ومخزونه الداخلي، لتأليف منتج جديد فتعكس اللوحة موسيقا الروح التي تتولد من ذلك التمازج من العزف بالأفكار والألوان، وهذا ما أعمل علية في تقديم لوحتي..
أعمالي ليست تجريدية بل فيها إعادة تركيب للواقع بصيغة تعبيرية وتسجيلية، أنجزت مجموعة من اللوحات تعكس تأثري بالواقع، عبّرت عن المعاناة في الأزمات والحرب وعن المدينة المتهدمة.. عن أمهات الشهداء وكيف قدمن الغالي للأغلى وهو الوطن ..
وأخيراً عن الزلزال فكانت لوحاتي نتيجة الهلع والخوف والتصدع وانهيار البيوت.
وهنا يبرز دور الفنان التشكيلي بالتعبير عن معاناة الناس وتحفيز طاقات الآخرين وبث روح الفرح والأمان في النفوس عن طريق الأعمال الفنية والتي تخلق البهجة لدى المتلقي عند تأمله للعمل الفني الذي يعبر عنه ويلامس أحاسيسه.
التشكيلي استطاع فرض رؤيته
الفنان محي الدين الحمصي: يبدو أن الحالة الآنية التي يعيشها التشكيلي السوري تطورت من خلال السنوات الماضية وانتقلت لمرحلة التلخيص من خلال الخط واللون والتكوين متأثّراً بالحالات والأزمات التي مرت على سوريا من حروب.. وخاصة الاقتصادية منها، فغيّرت من أدواته وعكست عليها تلك الألوان والأشكال وتماهت عبر اللون والخط تارة.. وأخرى عبر التأثر بالمحيط المجتمعي على كافة الأصعدة.
فكلّ فنان له بصمته الخاصة كيف لا وقد عاش كلّ هذه الأزمات مخلّفاً أعمالاً قيّمة ذات فكر وذائقة بصرية عميقة أرسى بها عوالم البيئة التي يعيش بها بكل شجونه وأحاسيسه حتى غضب الطبيعة من كوارث وزلازل أخذت حيزاً هاماً لدى التشكيل السوري فترى الأعمال وكأنها تحاكي العالم البائس من خلال أعمال هامة خطّها الفنان بكلّ ثقة وتمرد على اللون والأفكار الهائمة في عوالم الأحلام اللا منطقية من خلال مزاجية لونية وفكرية معقدة.
نعم إنه التشكيل السوري والذي ولد من رحم المعاناة واستطاع فرض رؤيته البصرية والفكرية على العالم.
المشهد ظلّ متمسكاً بلغة الرواد
الفنانة عبير أحمد: رغم تجربتي القصيرة في الفن التشكيلي.. أظن أنه وسيلة للتغيير والثورة الحقيقية تعني لي التعبير الصادق وطرح الأفكار المساهمة في بناء فكر جديد للفن التشكيلي وطرح أفكار جديدة تسعى للتغيير،
لكن الصدمة كانت كبيرة فالمشهد التشكيلي ليس من عشر سنين بل من ثلاثين سنة يرفض التغيير ويرفض التغيير الفكري والبصري وظلّ متمسكاً بلغة الرواد وبقي التغيير مقتصراً على التقنيات الحديثة والتجارب الغربية كما باقي الفنون.. واعتبروا الديجتال والتقنيات هي الحداثة بعيداً عن تجارب حقيقية لفنان يعكس واقعه ومعيشته ورؤيته في هذا الزمن.