ظافر أحمد أحمد:
تتبوب المعركة حول تعددية الأقطاب العالمية بمعركة إزاحة القطب الأميركي الذي يقود العالم على مقاس دولاره..، ولذلك أصبحت السخونة العالمية لملفي (أوكرانيا – تايوان..)، سخونة خاصة بكيفية مواجهة أسلحة الدولار الأميركي والأنظمة المالية الأميركية المعمول فيها عالمياً، وهي أسلحة تستخدمها واشنطن ضد من لا يتماشى مع مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
فالخطوات الناجحة المضادة لسطوة الدولار حتى الآن تجسدت بجهود روسيا المضادة للعقوبات الغربية فأصبحت تبيع قسماً من نفطها وغازها بالروبل..، واشتهرت خطوة قيام الشركة العملاقة الروسية غاز بروم بالتوقيع مع الجانب الصيني على تحويل المدفوعات مقابل توريد الغاز الروسي عبر خط قوة سيبيريا إلى الصين بالروبل واليوان الصيني..، ثم الإجراء البرازيلي الصيني باعتماد التسويات المالية بين ثاني أقوى اقتصاد عالمي وأقوى اقتصاد أميركي جنوبي من دون استخدام الدولار، كما بدأت الأرجنتين منذ مدة بتسديد قيمة وارداتها من الصين ياليوان، واعتمدت الهند عملتها المحلية في بعض التعاملات التجارية، وسبق لإيران أن اعتمدت اليوان في تسديد تعاملاتها التجارية مع الصين..
وتبدو هذه الإجراءات الناجحة مقدمة الخطوات لمواجهة إجراءات ما يسمى (تسليح الدولار) الذي توضح في أنموذج قيام الولايات المتحدة بمعاقبة شركات وبنوك تعاملت مع جهات ودول واردة في الحظر الأميركي عليها، كذلك أخضعت واشنطن الشركات الأوروبية لحظرها بالتعامل التجاري مع إيران وأيّ دولة تشرّع واشنطن عقوبات أحادية الجانب عليها..، ثمّ الإجراء الأخطر عندما جمّدت الولايات المتحدة احتياطات الدولار الخارجية للبنك المركزي الروسي عام 2022.
هذه الهيمنة الأميركية دفعت دولاً عديدة للعمل الجدي على مواجهة سلاح الدولار، وتحضر منظمة بريكس (روسيا، الصين، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) وهي التكتل الأقدر على منافسة مجموعة الدول الصناعية السبع، منذ سنوات لتعزيز أدوات ومؤسسات اقتصادية تحررها من هيمنة الأدوات والمؤسسات الاقتصادية التي تتحكم فيها الولايات المتحدة.
وحتى في أوروبا الخانعة لهيمنة الاقتصاد الأميركي فإنّ أصواتاً عديدة بدأت تظهر فيها توضح عدم رضاها عن تسليح الدولار، لأنّ المعركة الاقتصادية الأميركية لا ترحم في استنزاف الاقتصادات الأوروبية بحسب مقتضيات المصلحة الأميركية..، وكادت فرنسا على سبيل المثال تتقدم بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد إجراءات التحفيز للصناعة الأميركية والتي أضرت وتضر بالصناعة الأوروبية.
فالمعركة الاقتصادية الحالية هي بين إزاحة قطبية الدولار لصالح سيادة باقي العملات، وما من عاقل اقتصادي أصبح بمقدوره إخفاء أنّ المشكلة العالمية الأولى التي تفرخ أزمات العالم الاقتصادية هي قطبية الدولار والبترودولار فقط لا غير.