لماذا تتعجبون من قولنا إن سورية كلها توجت بلقب الدوري؟ أوليس الوطن كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر؟ فكيف لو كانت الشكوى من شوكة في الخاصرة؟!
لقد تحملت سورية ما لا تتحمله أمٌّ أخصب من جدران الأنهار، تلد المعجزة بعد المعجزة، وفي خاصرتها شوكة يحملها محتلون جاؤوا من أقصى الأرض كي يسرقوا غازاً تطبخ عليه أم لأبنائها خيرات الله، ووقوداً يضمن للجدة العجوز دفئها في الشتاءات القارسية، وحليبا لصبي يلزمه كي ينمو وينافس رونالدو، وقمحاً كان رغيفاً ليتامى مع زيت وزعتر الصباح، فهل تكون ولادة المعجزات من الخاصرة أصعب من هذا؟!
لم تذق أمٌّ وجع الخاصرة مثلما ذاقت سورية، ولم يمرعلى مدينة في التاريخ ما مر على دير الزور، ومع ذلك ظل حصانها الأزرق، الفتوة، يرمح في الملاعب فيكبو ثم ينهض، ولم يتحمل فريق رياضي بالعالم ما تحمله الفتوة خلال اثني عشر عاماً من الأوجاع، لكنه مثل سورية التي ولدته من خاصرتها معجزة، والمعجزات فوق الطبيعة، لذلك هي فوق الألم والوجع.
لا الغربة عن ملعبها البلدي وهواء فراتها وغاباتها صدت الفتوة عن هدفها، ولا الحصار الذي فرضه الإرهاب التكفيري وغيره، ألف يوم جاع خلاله أهل الكرم حتى أكلوا أوراق الشجر، ولا دمار جسورها الأسطورية ولا الغياب ولا النكبات، كل هذا لم يمنع الفتوة من خوض المعركة.
فالمعركة ليست فقط في ملاعب الكرة، وإنما هي معركة قيامة من بين الأنقاض، معركة تدافع فيها الخاصرة عن الجسد وتقلع شوكها بيدين جبارتين، معركة ثقافة وانتماء ومجتمع وحضارة وجغرافيا وتاريخ.
ها هم رجال الفتوة يقطفون شوطاً على طريق العودة ويقلعون الشوك من خاصرة الأم السورية، وهاهي الخاصرة تحمل مضاداتها الحيوية ضد الشوك وتقاوم وتنتصر.
سورية كلها توجت بلقب الدوري هذا العام وتقول لكم: مرحباً، أنا سورية، وأنا سعيدة فقد توجني أبنائي، أبناء خاصرتي بلقب الدوري بعد ثلاثة وثلاثين حبراً، واثني عشر ألماً.