يعيش الساحل السوري برمّته حالة غير معقولة بالنسبة للتغذية الكهربائية التي هي – على الأرجح – من أسوأ الخدمات، وهي ترجمة لسوء التوزيع الكهربائي وانعدام عدالته، لدرجة أنّ ذلك التوزيع غير العادل .. بل والجائر اضطرني للهروب من هناك واللجوء إلى ريف دمشق، لأنعم بحفنة كهربائية إضافية تمكنني من القيام ببعض أعمالي المرتبطة بالتيار، ومنها مثلاً كتابة هذه الزاوية وإرسالها إلى صحيفة الثورة في الموعد المحدد، ولكن إنجاز مثل هذا العمل تُحيطه المصاعب من كل الاتجاهات ويبدو شبه مستحيل في الساحل، ولاسيما في القرى الساحلية البعيدة، فبعد ست ساعات من الانقطاع المستمر للتيار، تأتي الكهرباء، ولكن كيف تأتي؟
من المفترض بعد تلك الساعات الطويلة من الانقطاع أن تأتي الكهرباء لمدة ساعة، وأحياناً تفعلها من قبيل المصادفة وتبقى ساعة، ولكن في أغلب الأحيان لا تبقى أكثر من نصف ساعة، وفي أحيان كثيرة يُكتفى بإيصالها لمدة ربع ساعة .. أو عشر دقائق، فنقضيها كالبلهاء في (تدحيش) الشواحن بمختلف الأجهزة التي تكون بطارياتها قد فرغت من الطاقة وتعطلت .. الموبايلات .. اللابتوب .. بَوَر الراوتر .. أجهزة البَوَر المحمولة .. وأجهزة الإنارة المحمولة أيضاً .. وبطاريات الليدات .. ولا نكاد نستكمل عمليات التدحيش حتى تكون الكهرباء قد انقطعت، وهذا كله غير الخسائر الباهظة التي تترتب علينا جراء عدم قدرة البرادات على التبريد، إذ تبقى الثلاجات دافئة وباتت متخصصة في إفساد المواد والمأكولات لا في حفظها، وصرنا ننظر إليها بعيون الريبة إذ تبدو كأنها متآمرة ضدنا.
هذا الواقع الصعب انعكس على شبكة الإنترنت أيضاً وبشكل بائس جداً، فهي بالشكل موجودة ولكن بلا فاعليّة، فالراوتر سرعان ما ينطفئ، ويبقى الاعتماد على السيرف الذي بات مخصصاً للاستفزاز، حيث نطلب المعلومة أو موقع محدّد أو أي خدمة من خدمات الشبكة فإننا نحتاج إلى ساعات انتظار وإعادة تحميل، وهي لا تستغرق في الأحوال العادية أكثر من بضع ثوانٍ.
أمام هذه الأجواء وباعتبار أننا صرنا ننسجم بشكل طبيعي مع هذه الحالات، فأنا مُقتنع من كل عقلي بأن الملايين ينتظرون زاويتي الأسبوعية فلا بد من فعل المستحيل من أجل الوفاء بنشرها في موعدها حتى وإن كان لا أحد يقرؤها غيري، فلجأت بالفعل إلى ريف دمشق بحكم وجود بيتنا في مدينة عدرا العمالية، الكهرباء هنا – على سوئها – ممتازة بالنسبة للساحل، فالتغذية لا تقل عن ساعة، وتمتد أحياناً إلى ساعة ونصف وساعتين كل خمس ساعات قطع، على الأقل نتمكن من شحن ما يمكن شحنه بالطاقة، والثلاجة تقاوم وتتمكن من حفظ المواد بشكلٍ معقول إلى حدٍّ ما، كما أن الشبكة هنا مقبولة جداً، ويمكننا ممارسة أعمالنا بالحد الأدنى على الأقل، وها قد أنجزت زاويتي، وأرسلتها بسهولة إلى صحيفة الثورة، ولم أقبل بحرمانكم منها، كما تفعل الحكومة بحرماننا من أشياء كثيرة وكل شيء وراء شيء.