الثورة – رشا سلوم:
يمثل الأدب الجزائري نبضاً حقيقياً في موكب الأدب العربي في العصر الحديث، ولاسيما في التقاط فكرة المقاومة وتمجيد بطولات الجماهير ونضال الشعب العربي من أجل حريته، وقد قدم المشهد الإبداعي الجزائري عشرات الأسماء المهمة في الرواية والنقد والشعر، وقدم النقاد دراسات مهمة حول هذا الأدب، فقد صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب
كتاب (تسريد الذاكرة… حفر تأويلي في ثلاثية “عز الدين جلاوجي”)، تأليف: د. عبد القادر فيدوح.
غطت “ثلاثية الأرض والريح” فضاء أرحب للمقاومة الجزائرية، حتى تستطيع الأجيال تباعاً استدعاء مكونات مرجعيتها التاريخية، تبعاً لما يمكن أن يفيد الحاضر المرتهن بالتطلع إلى المدى الواعد، وفي اعتقادي أن أحداً ممن تناول تاريخ المقاومة الجزائرية بالدراسة لم يتطرق إلى هذا الموضوع بمستوى الإحاطة، والاستيعاب، والدقة في الوصف بالقدر الذي تناوله عز الدين جلاوجي، بخاصة من جانب النزاهة التي رسم بها محمولاته السردية، ندرجها على النحو الآتي:
– حركية اللغة السردية المفعمة بالتشويق والإثارة.
– توافر جودة العلاقة الرابطة بين السبك، والحبكة.
– جاذبية العرض بصوغ التصوير الفني.
– آلية المعالجة الفنية المتواشجة بين البرنامج السردي والرؤية التاريخية.
– فاعلية التأثير الانفعالي – سلباً أو إيجاباً – الذي يعطي الوصف دلالته الوظيفية المؤثرة.
– استجابة وجدان الضمير الوطني، الذي يأخذ طبع كينونة الذات التي تلجأ إلى التذكر، وتلازم العهد.
– الرغبة في الإحاطة بالمرجعية التاريخية، بدافع مرام الحقيقة، والتمسك بالوعي الجمعي.
– السعي إلى تطابق الذات مع نفسها في مواجهة الآخر المختلف، الداعي إلى بث التنافر والعداوة.
– مواجهة كل ما من شأنه أن يسلب عن الذات ذاتها من خلال ما تدركه في الآخر المستبد.
تشير هذه الخصائص إلى مضمون “ثلاثية الأرض والريح” المشفوع بقناعة الروائي في اتجاهه الوطني، وهنا تبدو العلاقة بين عز الدين جلاوحي، وتأكيد صون التأصيل في أمس الحاجة إلى تعزيز هوية الذات مع تفاقم أزمة الهوية الكونية بحسب، تعبير هانتغتون، يبحث فيها الفرد – أياً كان، وأينما كان – عن هويته من خلال سؤال مركزي: كيف يمكن تأكيد هويتي في ظل هذه الأرجاء اللامحدودة لفضاء المعنى المنفلت، وإفلاس الحقيقة مع تهالك الآخر المستبد؟
ولابدَّ من الإشارة إلى ان صاحب الثلاثية وفي لقاءات نقاشية مع الطلاب الذين حاوروه كان قد قال:
(إنّ ثلاثيته ليس لها مرجعية تاريخية فقط، بل تعتمد على عدة مرجعيات منها الذاكرة، الإنسان، ومرجعية الأرض)، قائلاً إنّه حين تقرأ الرّواية لا تجد التاريخ فحسب، بل تجد ذاتك وحضورك، لأنّ الكتابة في تصوره موقف من الحياة، من الإنسان ومن الموت، تثير في القارئ أسئلة كثيرة وعميقة.
وأضاف بأنّه على الروائي أن يتفوّق على المؤرخ، وأن يقول ما يعجز المؤرّخون عن قوله، لأن المؤرخ يقف عند الأحداث الكبرى في التاريخ، لكن التفاصيل والجزئيات لا يمكن أن يرويها إلا الأديب، فهو بمثابة المرمم لتلك الشقق والثقوب داخل الحادثة التاريخية، مؤكّداً على أن الروائي يتجاوز عتبة المؤرخ ويقول ما لا يستطيع قوله، لأن الروائي عندما يكتب يلتفت إلى التاريخ لكن عينه تكون دائماً للمستقبل.
ولفت الكاتب عز الدين جلاوجي إلى أنّ المزج بين التخييل والتاريخ كمن يجمع في يده بين الماء والنار، لأنّ هناك بعض الأشياء التي يذكرها المؤلف ولايذكرها التاريخ، وأشار الروائي إلى أنه لابدَّ للمؤلف من أن يضع قارئاً مفترضاً في كتاباته، مضيفاً أنه دائماً يحاول أن يقدم النص الذي يقرأه القراء بمستوياتهم المختلفة، بحيث يمكن أن يتلقاه قارئ عادي بمستواه العادي، لكن هذا النص يمكن أن ينفتح على معان أخرى كلما ارتقى المتلقي، ودائماً ما يضع بالحسبان أن هناك قارئاً عارفاً.
كما أكد أن على الكاتب أن يتسم بالصدق فيما يقدمه، سواء على المستوى الفني الجمالي أو على مستوى الرؤية.
وذكر عز الدين جلاوجي أنه لايمكن أن يكون الإنسان كاتباً دون أن يقرأ التراث والتاريخ، فهو مطالب بقراءة الموروث حتى تتشكل لديه اللغة لأنها أساس الكتابة، وأضاف أن الكاتب لايمكن أن ينفصل عن الماضي، لأن الإنسان مجموعة من النصوص التي قرأها وشكلت وعيه، ولايمكنه الانفصال عنها، لكن ليس من اللائق أن يكون مجرد صدى لتلك النصوص، يهضمها ويتفاعل معها ويحاول تجاوزها من أجل تقديم كل ما هو جديد.