الثورة – ترجمة رشا غانم:
في 27 أيار 2023، دعا الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي إدارة بايدن للتّخلي عن خطتها لخفض الانبعاثات وزيادة مبيعات الآليات الكهربائية بشكلٍ ملحوظ خلال عام 2032، كما طالبت رئيسة لجنة الطّاقة والتجارة في مجلس النواب الأمريكي كاثي رودجرز إضافة إلى 151 من الجمهوريين، من وكالة حماية البيئة الأمريكية بالتّراجع عن معايير الانبعاثات للمركبات الخفيفة والمتوسطة والناقلات الثقيلة.
بالعودة إلى عام 2017، قررت إدارة ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس، بحجة أنّ ذلك قد يساعد في إنعاش الخدمة العامة من خلال دعم صناعة الفحم، ولتحقيق ذلك أبطل ترامب التشريعات البيئية التي من شأنها الحدّ من انبعاثات الكربون، ما خفّف القيود على تعدين الفحم ومحطات توليد الطاقة بالفحم، كما قدّم إعانات مالية وحوافز عالية لصناعة الوقود الأحفوري لمدة طويلة من الزمن، بما في ذلك الدعم الاقتصادي المباشر، وإعفاءات الضرائب، وغيرها من الحوافز.
ونتيجة لذلك، عادت الولايات المتحدة لاستخدام الفحم للإنتاج ونشاطات الحياة من جديد، الأمر الذي أعاق التحول بشكل جوهري، كما ألغت الإدارة سياسات الحماية والتشريعات البيئية، وتمّ التساهل بالقواعد المفروضة على تلوث المياه والتعدين.
قوبل قرار ترامب آنذاك بمعارضة في الولايات المتحدة، وبدوره، اتهم وزير الخارجية الأمريكي السّابق والمفاوض لاتفاقية باريس نيابةً عن الولايات المتحدة جون كيري، ترامب بمحاولته لتحويل الولايات المتحدة إلى كائن منبوذ بيئياً بالنسبة للعالم، وكان قد أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بأن التمسك والالتزام باتفاق باريس من شأنه أن يسمح للأطراف المشاركة بالحصول على فرص عمل جديدة تأتي من الصناعة الجديدة، وشجّع الولايات والمدن ومختلف الشركات الأمريكية بتكثيف جهودهم لمساعدة الأجيال القادمة بالحفاظ على الكوكب، كما قرر كل من المحافظين الثلاثة لكل من كاليفورنيا، واشنطن ونيويورك، إضافة إلى 30 رئيس بلدية، وأكثر من 80 من رؤساء الجامعات، وما يفوق 100 من أصحاب الأعمال، بأن يقوموا بدورهم ويشاركوا في حماية الكوكب وذلك بالامتثال لاتفاقية باريس.
في يومه الأول من ولايته، وقَّع بايدن على أمر تنفيذي فيما يخص العودة لاتفاقية باريس وصرّح بعودة أمريكا للاتفاقية، ولكن، وعندما يتعلّق الأمر بتلبية الأهداف المناخية، سيختلق الكونغرس كل أشكال وأنواع الأعذار لرجوعهم عن ذلك، ويبدو بأنّ سياسة الطاقة الأمريكية ما هي إلا أداة لخدمة الإستراتيجية القومية للولايات المتحدة، فعندما تؤثر القضايا البيئية بالمصالح الاقتصادية لأمريكا سلباً، سرعان ما يتم تجاهل تلك القضايا وعدم الاكتراث بها، فالوعود الأمريكية بشأن الحفاظ على الطاقة وخفض الانبعاثات لا تتماشى دائماً مع إجراءاتها، حتى أنّها تملي على الدول الأخرى تحمل مسؤولية التنمية البيئية العالمية مع تجاهل مسؤوليتها.
يُذكر أنّه في اجتماع قمة المناخ العالمي في 22 نيسان من عام 2021، تعهدت إدارة بايدن بالتزام رسمي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة بنسبة 52 في المائة عن مستويات 2005 بحلول عام 2030، أي أكثر من ضعف الهدف السابق لإدارة أوباما، في حين أن صحيفة بلومبرغ الأمريكية قد أفادت بأنّ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع الطاقة الأمريكي في طريقها للوصول إلى أعلى مستوى لها منذ 30 عاماً، ووفقاً لموقع البيت الأبيض الالكتروني في الخامس من آب القادم، حددت إدارة بايدن هدفاً يتمثل في مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 50 بالمائة بحلول عام 2030، ولكن، ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة كانالايز البحثية في شباط لعام 2023، استهلكت الولايات المتحدة 9 في المائة فقط من مبيعات السيارات الكهربائية العالمية العام الماضي، وتعدّ الصين إلى حد بعيد أكبر سوق لمركبات الطاقة الجديدة، حيث يأتي 59 في المائة من جميع مبيعات سيارات الطاقة الجديدة في عام 2022 من الصين، أي بإجمالي 5.9 مليون وحدة، وأوروبا هي ثاني أكبر سوق لـشركات تصنيع السيارات الكهربائية، مع 2.6 مليون وحدة، والولايات المتحدة متخلفة كثيراً، مع 920000 فقط.
إن حكومة الولايات المتحدة ليست بارعةً فقط في التشدق بالكلام مع البلدان الأخرى، ولكن أيضاً، وبلا حياء على الإطلاق، تعيق جهود الدول الأخرى لخفض انبعاثات الكربون، حيث استخدمت الولايات المتحدة أزمة أوكرانيا للضغط على الدول الأوروبية، فلم تكتف بإجبار الدّول الأوروبية على تقليل اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي، بل رفعت سعر تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ونتيجة لذلك، اضطرت أوروبا إلى تأجيل خطة إلغاء الفحم، ما أدى إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما اجُبرت أوروبا التي كانت في يوم من الأيام تمثل المعيار العالمي لخفض الكربون، إلى العودة إلى طاقة الفحم، وهي نكسة لحياد الكربون العالمي.
ومنذ اليوم الأول من إدارته، شدد بايدن على حاجة الولايات المتحدة إلى التنافس الأخضر مع الصين على نطاق عالمي، لضمان بقاء الولايات المتحدة رائدة عالمياً في تصنيع الطاقة النظيفة وابتكار التكنولوجيا منخفضة الكربون، ولطالما أظهرت الصين كمنافس رئيس لها، فقد أعلنت وزيرة التجارة الأمريكية جينا إم ريموندو في خطاب لها بأنّ هدف الولايات المتحدة هو إخراج الصين من المنافسة ومنعها من أن تكون الأولى.
هذا وحذّر رئيس لجنة التنظيم النووي الأمريكية كريستوفر هانسون، في مقابلة أجراها مؤخراً، الأرجنتين من مخاطر وعقبات مشاريع التعاون النووي مع الصّين، وحثّها على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من الصّين، حيث إنّ الولايات المتحدة تفكر بشكل هستيري بالتعاون التقني العادي بين الصين والأرجنتين، ومنذ تموز لعام 2022 أطلقت الولايات المتحدة جولةً جديدة من حملات التضييق على البضائع الصّينية في قطاع الكربون المحايد، وصادرت ألواح الطاقة الشمسية الصّينية أكثر من ألف مرّة، وما السبب وراء الحملات الأمريكية على الصناعة الكهروضوئية الصّينية المتطورة، إلا لكبح تطوير طاقة جديدة في الصّين.
هذا وأصبح تشويه صورة البلدان الأخرى المتقصد هو الأسلوب الشائع للحكومة الأمريكية، وبينما دعت وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفير غرانهولم أثناء خطابها، الولايات المتحدة الأمريكية للتّعلم من الصّين وكيفية استجابتها للمناخ الحالي، قامت، بالمقابل، لجنة الجمهوريين بالردّ على تصريحها على تويتر وادعوا بأنّ وزيرة الطاقة الأمريكية قامت بذلك من أجل لفت نظر الناس لخطابها، كما اتهمت اللجنة الصين باستخدام الكثير من الوقود الأحفوري، وادّعت بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي مساهم عالمي حقيقي بحماية البيئة.
علاوةً على ذلك، فإنّ تشويه سمعة مبادرات الصّين المناخية أصبحت الطريقة السّائدة لخداع الغربيين الساذجين، وجعلهم يعتقدون بأنّه يمكن احتواء التّعاون مع الصين من خلال الضغط عليها، وفي نفس الوقت، تحاول الولايات المتحدة العمل مع الاتحاد الأوروبي لصياغة تدابير عقابية ضدّ الصّين وذلك بفرض رسوم جمركية إضافية على صناعة الفولاذ الصّينية بحجة أنّ انبعاثات إنتاج الفولاذ للصين ليست حيادية الكربون كما هو مفترض، فما تريده الولايات المتحدة مجرّد اتباع مخلصين لها أكثر من حلفاء مكافئين لها، ولهذا السّبب تقوم الولايات المتحدة في أغلب الأوقات بتحقير إنجازات الدّول الأوروبية في التنمية المستدامة، كالمبالغة في المشاكل البيئية للهند، واتهام الحكومة البرازيلية بعدم مسؤوليتها تجاه الغابات المطيرة للأمازون.
وظاهرياً، تقوم الولايات المتحدة بالتّعاون مع الأمم المتحدة بالحفاظ على الطّاقة وتقليل الانبعاثات، ولكن في باطن الأمر فهي تفكر في مصالحها الخاصة فحسب، ولطالما شجعت الولايات المتحدة وبشدة استغلال الغاز الصّخري، فعلى الرغم من أن الغاز الصّخري هو مصدر للطاقة النظيفة إلا أن الاستثمار المفرط له يمكن أن يتسبب بأضرار جسيمة للمياه الجوفية والجيولوجيا، إنّ التواجد المتزايد للغاز الصّخري في الأسواق من شأنه أن يخفض تكاليف توليد الكهرباء، والذي بلا شك أمر يساعد في تعافي وإنعاش الاقتصاد والتصنيع، والأهم، بأنّه يمكن لذلك أن يساعدهم في عدم الاعتماد على روسيا المنتج الأكبر للغاز الطبيعي، وأخيراً، فإنّ الاستغلال المفرط للغاز الصخري سيؤدي إلى تسريب غاز الميثان وإنتاج الكثير من غازات الاحتباس الحراري.
ووفقاً لمراجعة الاحصائيات لبريتيش بتروليوم للطاقة العالمية لعام 2020، فقد كانت الولايات المتحدة الرائدة عالمياً كمنتج للنفط والغاز لعام 2019، وقد بلغ إنتاج النفط الخام 17.05 مليون برميل يومياً، وهو ما يمثل 17.9 في المائة من الإنتاج العالمي، منها حوالي 50-70 في المائة من النفط الصخري، حيث تحاول الولايات المتحدة تعطيل مشهد الطاقة العالمي من خلال توسيع احتياطاتها النفطية من خلال ثورة النفط والغاز الصخري.
وكقوة عظمى، يجب على الولايات المتحدة تحمل المزيد من المسؤوليات الدولية بدلاً من الوقوف ضد العالم، ونأمل أن تتمكن الولايات المتحدة من مواجهة القضايا البيئية العالمية واتخاذ إجراءات فعالة ومعقولة، بالإضافة إلى التخلي عن عذر المنافسة السياسية، والعمل مع البلدان الأخرى ذات الموقف العملي واتباع الإجراءات للسيطرة على ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وحماية البيئة العالمية، والحفاظ على التنمية طويلة الأجل والمستقرة للمجتمع البشري.
المصدر – تشاينا ديلي