الثورة – غصون سليمان:
باختبارات بسيطة ومدروسة كانت كافية لكسر مساحة واسعة من قرص الجليد للعبور بطريقة هادئة إلى معرفة الآخر الذي يعمل بنفس المجال مع اختلاف وخصوصية الوسيلة.. توقعات ومخاوف ذللتها ورشة العمل ضمن أجندة برنامج التدريب لرأب الفجوة في الصحة النفسية في حالات الطوارىء التي نظمتها وزارة الإعلام ” مديرية الإعلام التنموي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية حول الصحة النفسية الخاصة بالإعلاميين والصحافيين في مبنى الوزارة على مدى يومين ١١-١٢ الحالي.
قبل الدخول في أجواء الورشة اعتمد القائمون عليها من منظمة الصحة العالمية أسلوباً مغايراً لما اعتدنا عليه في بقية الورش التدريبية التخصصية، فمن خلال مجموعة الواتس الخاصة بأسماء المشاركين كان هناك استبيان كاختبار” قبلي” أولي وفق ما أسموه.. كان كفيلاً بتحفيز الهمة والذاكرة على البحث ومدى المعرفة بتفاصيل يمكن وصفها بالسهل الممتنع للإجابة بصح أو خطأ على إحدى عشر عنصراً من أبواب الرصد.
السؤال الأول في التقييم: هل يجب معاملة جميع الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب بمضادات الاكتئاب؟..
هل الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات العقلية لا يستطيعون اتخاذ قرارات بشأن علاجهم؟..
هل يزيد سؤال حول الانتحار احتمالية وقوع الانتحار؟..
يجب تزويد الناس بمعلومات حول الفوائد المحتملة للعلاج والآثار الجانبية المحتملة؟..
هل نسبة انتشار الاكتئاب٨% عند البالغين و٢-٣% عند الأطفال
نسبة التعافي من الاكتئاب ٩٠% عند العلاج؟
هل كل شخص يعاني من مزاج حزين هو شخص مكتئب؟
اضطراب ما بعد الصدمة ممكن أن يصيب كل شخص تعرض لحدث فقد، أو وفاة شخص عزيز، أو انفصال عاطفي
الاضطرابات النفسية هل يجب ربطها بحدث خارجي صادم في حياة الشخص؟
هذه العينة من الأسئلة كانت توطئة مهمة لمعرفة ما يجب معرفته والإضاءة عليه كمعرفة ذاتية وبالتالي نقلها بأسلوب علمي مدروس إلى شرائح المجتمع،
– محاور غنية..
محاور الورشة ركزت على مفهوم الصحة النفسية.. ولماذا نتحدث عن هذا الموضوع في وسائل الإعلام.. وكيف نشير له بالطرق والأساليب المناسبة.. ما هي المبادئ العامة لرعاية الأشخاص وكيف نتغلب على الضغط النفسي ونتعامل مع مجموع الاضطرابات السلوكية، ضرورة معرفة حقائق معينة عن بعض الاضطرابات النفسية، والاكتئاب والضغط النفسي وغيره، وكيف يمكن للإعلامي أن يوظف هذه الحقائق في مجال العمل، وألا ينسى اهتمامه بنفسه؟.
في البداية تعرِّف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية على أنها حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وليس مجرد غياب المرض او العجز، وبهذا المعنى فإن الصحة النفسية هي مكون أساسي من مكونات الصحة العامة، ولا صحة عامة من دون صحة نفسية.
أما لغة ومهارات التواصل التي قدمتها كل من ريم كرمنشاهي – معالجة نفسية ومدربة ومشرفة لدى منظمة الصحة العالمية -، ولبنى العيسى – معالجة نفسية ومدربة ومشرفة في منظمة الصحة العالمية في مجال الدعم الاجتماعي -، والدكتورة لانا أسعد – طبيبة نفسية لدى منظمة الصحة العالمية -، وريم أسعد – مدربة ومشرفة لدى المنظمة -، وعمار غزالي مدير الإعلام التنموي في وزارة الإعلام كانت كافية لشد انتباه المشاركين وخلق حالة من التفاعل المتبادل.
– الإعلام مسوِّق أساسي..
الدكتورة العيسى أوضحت أنه من المهم جداً أن يكون لدى الصحفي معلومات مناسبة عن مفاهيم الصحة النفسية لطالما الإعلام هو المسوِّق الأساسي لهذه المفاهيم الجديدة لطالما الحاجة ملحة سواء في الحروب أو الكوارث أو حتى أوقات السلم، إذ ليس المطلوب من الصحفيين حسب رأيها معرفة كل شيء في هذا المجال لكن الشغف بمعرفة المعلومات عن الصحة النفسية وكيفية طرحها بشكل صحيح عبر الإعلام.
بدورها بينت الدكتورة أسعد أن الاضطراب النفسي أو المرض النفسي هي اشياء ناتجة عن معاملات اجتماعية نتيجة صدمة أو ظروف معينة يمر بها الشخص، وهي ليست هكذا فقط، بل هي مجموعة عوامل لها أساس بيولوجي “نواقل عصبية” إذ يحصل خلل ما بالبنية التشريحية للدماغ، للنواقل العصبية أي هناك استعداد لظهور المرض، لتأتي بعد ذلك العوامل الخارجية النفسية أو الضغوطات، والشدائد، والتربية والعوامل الاجتماعية التي تحرض زيادة او نقصانا حالة الاستعداد البيولوجي والنفسي والاجتماعي للظهور ، هذه الحالة تم تشبيهها بطاولة وضعنا على سطحها مئة كغ من الوزن لكنها لم تتأثر وحين زدنا مئتي كغ أخرى بدأت تتشقق، وحين وضعنا ٣٠٠ كغ تكسرت وفرطت.
وحول استخدام مصطلح الصحة النفسية بينت الدكتورة أسعد أن منظمة الصحة العالمية تستخدم حالياً مصطلحاً واحداً هو الصحة العقلية للجميع لأن كل شيء يتعلق بالدماغ، وما يظهر على الشخص من أعراض تبرز في أفكاره أمواجه وسلوكه يعتبر ضمن الحالة النفسية، منوهة أنه لدينا جميعاً معلومات مختلفة، ودورنا هو تصحيح هذه المعلومات والتي أغلبها قد تكون شائعة بطريقة خطأ أو قديمة لم تعد تفي بمجريات التطور والانفتاح المعرفي.
– تحمل الضغوط..
وحول الاضطراب العقلي الذي أخذ جزءاً كبيراً من النقاش والحوار أكدن المعالجات النفسيات والمشرفات على التدريب في الورشة على أن الاضطراب العقلي هو واحد، وما يحصل من خلل في منطقة الدماغ هو الذي يحدد نوع الاضطراب” كالتأخر العقلي، والتعب النفسي، والاكتئاب والهذيان “.
فالشخص الذي لديه على سبيل المثال تأخر عقلي يكون عنده استعداد أكبر لإصابته باضطرابات سلوكية، اضطرابات ذهنية نظراً لوجود خلل في الدماغ كأن يصيبه نوبة اختلاج، صرع وغيرها.
كما أكدن على أن الشدة النفسية تحفِّز كل الأمراض العضوية والنفسية للظهور.
ورداً على سؤال إن كان المريض يعرف أو لا؟ كان جواب المعالجات النفسيات لدى منظمة الصحة العالمية على أن الاضطرابات الذهنية التي فيها هلوسات يشعر أصحابها بأشياء غير موجودة، او يسمعون أصواتاً.. وبالتالي فإن الخلل هنا يكمن في البصيرة بمعنى أن الشخص لا يعرف نفسه، حيث أوضحن مراراً على أن منشأ الاضطراب هو الدماغ، أو من الجهاز العصبي فبات المصطلح العقلي أكثر استخداماً، مع تحذيرهن لطرق وأساليب المواساة لشخص ما مثلاً يعاني التعب الشديد وغير قادر على القيام بوظائفه ونقول له “يالله قوي حالك”هذه هي الوصمة.
أما عندما نعترف أن لديه اضطراب ويحتاج العلاج تكون المساعدة هنا ليست بالتسمية بالضبط، وإنما هو التفهم للعلاج وإيجاد الحل وليس بالتجاهل أو تغيير التسمية.. كأن نواسي سيدة لديها اكتئاب ونقول لها أيضا “قوي حالك”.
وهنا حسب رأي المشرفات على عمل الورشة تكمن الفجوة ويكمن دور الإعلام، حيث العالم يراها غير مهمة، ولكن هي من أهم الأشياء.. بمعنى من سيقول وينقل للآخر أن الصحة النفسية تساعد المرء على تحمل الضغوط إذا اعتنى الإنسان بصحته النفسية بوسائل بسيطة، اي كيف للمرء أن يتحمل الضغط الاقتصادي، ألم غربة الأبناء، وغيرها الكثير من العناوين وهذا جزء من أهداف ما أرادت الورشة أن توصله للإعلاميين. حيث الاختلاف في الفهم بين المنظمة والإعلام أمر طبيعي ونعلم كم هو مهم، لكن عند الأشخاص والناس هو وصمة عليه حين يبتعد الطرف الآخر عنه.
مناقشات الورشة شددت على مهارة الاعلاميين في هذا الجانب، و لعب الدور الصحيح من خلال التثقيف ونشر الوعي، والتأكيد على أهمية الصحة النفسية التي تساعدنا في التغلب على الصعوبات اليومية، مثلما نغسل وجهنا ونسرِّح شعرنا ونعتني بنظافة أجسادنا فمقومات الصحة النفسية يجب أن تنقل من خلال منابر وسائل الإعلام، مع ملاحظة أن مهمة الاعلام ليست المعالجة أو العلاج وإنما يجب أن يكون الحديث عن الصحة النفسية بمثابة لقاحات نفسية ترفع الوعي وتقوي المرونة وتمتد جسور التواصل بين شرايين المجتمع.